الأمر من مقدّمات المسألة لا يقال غاية ما هو المعلوم في تلك الموارد استعمال الأمر في الإيجاب وهو غير نافع إلَّا على طريقة السّيد لأنّا نقول ليس الاعتماد فيها على صرف الاستعمال بل مع ملاحظة كون الإطلاق مجرّدا عن القرينة بشهادة مساق الكلام والاستعمال المجرّد عن القرينة ليس في دلالته على الحقيقة خلاف وكيف ينعقد الخلاف فيما يقتضي به البداهة بعد ملاحظة كون الإفادة والاستفادة منحصرتين في الوضع أو القرينة فإذا انتفي الثّاني تعيّن الأوّل لا يقال ما زعمت من تجرد هذه الاستعمالات عن قرينة الوجوب فاسد أمّا في حديث الأمر بالسّواك فلوجهين أحدهما قوله صلى الله عليه وآله ولو لا أشق على أمّتي إذ لا مشقّة في الأمر النّدبي فيتعين أن يكون هو الأمر الإلزامي والثّاني أمره صلى الله عليه وآله بالسّواك ندبا وأمّا في حديث بريرة فلأنّ قولها أتأمرني بعد معلوميّة جنس الطَّلب لا محمل له سوى إرادة الخصوصيّة وهو الإلزام وأمّا في حديث هشام فلأنّ قوله عليه السلام فافعل قرينة لإرادة الطَّلب الإلزامي بناء على ما هو مبنى الاستدلال من دلالة الصّيغة على الوجوب إذ لا معنى لإيجابه المستحبّ لأنا نقول إنّ قوله لو لا أشق غير صالح لما ذكر لأنّ الرّبط الحاصل بين الشرط والجزاء يتوقف على معلوميّتهما للمخاطب قبل علمه بالارتباط لتأخر الرّبط عن المرتبطين بحسب الرّتبة فلا يجوز أن يقول المتكلَّم في علم المخاطب بطرفي الرّبط على ألفاظ تقصر عن إفادة ذلك إلا بعد الرّبط وهذا أصل مطَّرد وهو أنّ الموضوع الواقعي في القضية لا بدّ أن يكون معلوما للمخاطب مع قطع النظر عن ثبوت الحكم له وإلَّا لزم الدّور لأنّ الحكم يتوقف على موضوع معلوم للمخاطب فلو توقف العلم بالموضوع على مجيء الحكم لزم الدّور فافهم هذا فيما يقتضيه قاعدة التحاور لو خليت ونفسها وإلا فقد يخرج المتكلَّم كلامه عن حدّ المتعارف فيتكلَّم بقضيّة صوريّة يعني يريد من الموضوع معنى خفيا على المخاطب بلا نصب قرينة عليه فيتلفّظ به صورة اعتمادا على انتقاله إلى الموضوع الواقعي بعد إلقاء الحكم كقوله أسد في الحمّام عند فقد جميع القرائن فإن لفظ أسد في هذا الكلام موضوع صوريّ لأن المستفاد منه ليس سوى الحيوان المفترس والمفروض عدم تعلَّق الحكم بالكون في الحمّام عليه فيكون موضوعا صوريّا ذريعة إلى انتقال المخاطب إلى الموضوع الواقعي بعد مجيء الحكم هذا ولقائل أن يقول هذا النّحو من الكلام ليس خارجا عن المتعارف لأنّ جميع المجازات كذلك وهي أبلغ في تأدية المرادات من الحقائق فكيف يكون خارجا عن المتعارف والأولى أن يجاب بأن قوله لو لا أشق لا منافرة بينه وبين الجزاء أعني لأمرت ولو كان قرينة على المجاز لتنافر أو كان الكلام مثل ما لو بدّل أمرت بأردت مع أن المجاز هنا يرجع إلى استعمال الكلَّي في الفرد وقد تقدّم في غير موضع من تحقيقاتنا عدم وجوده في شيء من كلمات العرب وأيضا مقتضى المجاز في مقام تشريع الأحكام غير موجود فليس استعمال الأمر في الإلزام هنا إلا لكونه موضوعا له وأمّا الأمر النّدبي بالسّواك فهو أيضا غير صالح لعدم العلم بسبق صدوره عن صدور هذا الكلام وبما ذكرنا يظهر الجواب عمّا ذكر في حديث هشام لأن استفادة الوجوب من قوله فافعلوا يستلزم محذور الدّور كما يظهر بالتدبّر وأمّا ما ذكره في حديث بريرة فهو أوضح فسادا لأنّ الاستدلال بفهم الرّسول صلى الله عليه وآله من الأمر معنى الإيجاب ومن البيّن أن سبق الطَّلب لا يكون قرينة على ما فهم على تقدير وضع الأمر لجنس الطَّلب لأنّ السّؤال بالتّأكيد أشبه من كونه استفهاما عن الخصوصيّة وعلى تقدير حمله على الاستفهام بناء على رجحان التأسيس على التأكيد يبقى فهم خصوصية الإيجاب دون الندب بلا قرينة إلا أن يقال بانصراف لفظ الأمر إلى الإيجاب وستعرف ما فيه إن شاء الله تعالى كلّ ذلك مضافا إلى أنّ التعبير عن الخصوصية بلفظ موضوع للقدر المشترك له مقامات معلومة معهودة ليس هذه الموارد منها كما لا يخفى على أهل الدّريّة بالمحاورات ومع ذلك كلَّه فالعجب أن بعض المحققين تأمّل في المقام بل ذهب إلى القول الثاني وفاقا للمحكي عن الشهيد الثاني والبهائي والموجود في الزّبدة القول بعدم كون المندوب مأمورا به و زعم أن مفاد الأمر لا يزيد على مفاد لفظ الطَّلب في كونه هو القدر المشترك بين الندب والوجوب وانتهض في ذلك بعد منع تبادر الوجوب وادّعاء تبادر القدر المشترك بأمرين الأوّل ظاهر كلمات العامة والخاصّة في الحدّ حيث إنّهم لم يعتبروا فيه ما يفيد الإلزام بل إنما أخذوا فيه الطَّلب أو ما يجري مجراه كالاقتضاء والاستدعاء ونحوهما ممّا لا يدلّ على الوجوب والثاني تعميم الالتماس والدّعاء لما كانت الطَّلب الصّادر من المساوي أو الدّاني على سبيل الحتم أو غيره كما هو الظاهر من ملاحظة العرف أيضا فيكون الأمر الَّذي هو قسيم لهما أيضا كذلك إذ الظَّاهر عدم الفرق بين الأقسام الثلاثة إلَّا من حيث الرتبة قال وتبادر الوجوب من لفظ الأمر عند الإطلاق ليس لأنّه موضوع له بل هو من باب انصراف المطلق إلى أكمل الأفراد نظير ظهور لفظ الطَّلب في الطَّلب الحتمي في قولك أطلب منك الفعل وأريده منك مع أنّه حقيقة في القدر المشترك اتفاقا ويشير إليه أن المتبادر من الإطلاق هو الوجوب العيني النّفسي مع أن ظاهر الجمهور عدم وضع الأمر له بخصوصه فيهون الأمر في دعوى كونه إطلاقيا بالنّسبة إلى الوجوب أيضا ثمّ فرع على هذا التحقيق الجواب عن الآيات والرّوايات قلت يرد على الأوّل أن الظَّاهر من لفظ الطَّلب ولو من جهة