يكن على وجه التّجوز فلا بدّ أن يكون على وجه الحقيقة لأنّ الاستعمال الصحيح لا يتجاوز عن الحقيقة والمجاز باتفاق القوم وإطباق أهل اللَّسان مع أنّ الظَّاهر الموافق للإنصاف مع التجنّب من طريق المكابرة والاعتساف حصول العلم الوجداني الناشئ من الحدس الصّائب أن استعمال لفظ الصّلاة في العبادة المعهودة لم يكن مبنيا على ملاحظة مشابهتها للدّعاء ولا على ملاحظة علاقة الكلَّية والجزئية ولا ملاحظة سائر العلائق في سائر استعمالاتها وعامّتها فإن قلت إنّ المسلم إنّما هو عدم الملاحظة تفصيلا لا مطلقا ولا يكفي في كون الاستعمال مجازيّا ملاحظتها إجمالا قلنا هذا غير جار في استعمالات اللَّه تعالى جدّا وأمّا استعمالات الرّسول صلى الله عليه وآله فمع إمكان منع تصوّر المراتب في علمه صلى الله عليه وآله أيضا لا يضرّ الجريان فيه أصل الاستدلال المبني على إثبات الإيجاب الجزئي فإن قلت نمنع اعتبار ملاحظة العلاقة في الاستعمال المجازي حيث إنّ المجاز على ما يقضي به إطلاق حدّه هو اللَّفظ المستعمل في غير ما وضع له وأمّا ملاحظة العلاقة فهي أمر غالبي لا دائمي وعليه ينزل ما هو المشهور من أنّ المجاز يستدعي ملاحظة المناسبة للموضوع له ولو إجمالا نعم لا بدّ في المجاز من وجود المناسبة وهي موجودة في المقام أيضا قلت لعلّ السّؤال مبني على الغفلة عمّا نبّهنا عليه من أنّ استعمال اللَّفظ في خلاف موضوعه الأصلي متكلَّفا بنصب القرينة لا يصحّ صدوره من عاقل فضلا عن حكيم إلَّا إذا أريد به التوصل إلى أمر زائد عن أصل الإفادة كالتلطيف والبلاغة والمبالغة وهذا التوصّل لا بدّ أن يكون مقصودا للمتكلَّم وملتفتا إليه فكيف يتصوّر في حقه عدم ملاحظة المناسبة إجمالا وتفصيلا فإن قلت هذا إذا كان لخلاف المعنى الأصلي لفظ موضوع يدلّ عليه بالوضع وأمّا إذا لم يكن كذلك فالدّاعي إلى الاستعمال فيه حينئذ ليس إلَّا صرف الإفادة ولأجله لا بدّ من تكلَّف القرينة وأمّا ملاحظة المناسبة فلا ضرورة داعية إليه قلنا نعم لكن إذا كان حال استعمال اللَّفظ في خلاف الموضوع له كذلك فهذا في قوّة التعيين وجعل اللَّفظ علامة للمعنى لأنّ المتكلَّم إذا بنى على أن يعبّر عن معنى بلفظ من غير ملاحظة المناسبة بينه وبين معنى آخر فهذا البناء تعيين منه ذلك اللَّفظ لذلك المعنى فيثبت المدّعى لأنّ المقصود الأصلي في هذا البحث هو استكشاف بناء الشّارع حين استعمال تلك الألفاظ في معانيها المستحدثة من أنّه كان على ملاحظة مناسبتها للمعاني اللَّغوية ومتابعة لسان العرب في الأوضاع المجازية أو على التعبير الابتدائي بنقل بعض الألفاظ اللَّغويّة إلى ما يناسب معانيها قضاء لحقّ الإفادة فإذا انتفي الأوّل تعيّن الثّاني وهو المقصود هنا ويمكن أن يستدلّ على انتفاء الأوّل زيادة على الضّرورة والحدس بأصالة عدم ملاحظة المناسبة ولا يعارضها أصالة عدم الوضع لأنّ الوضع بالمعنى المذكور أعني البناء على التّعبير الابتدائي من لوازم الاستعمال من غير ملاحظة المناسبة فافهم هذا ما اعتمدت عليه من طرق الإثبات فإنّ ما عداها ساقط عند الأنظار المستقيمة ثمّ إن حصل للناظر في مجموعها العلم أو الظنّ الملحق به من حيث الاطمئنان فهو وإلَّا فلا تأمّل في إفادتها الظنّ ولعلَّه يكفي في المسألة وإن لم نقل بكفايته في الموضوعات اللَّغويّة لأن الموضوعات الشرعية لا يتعلَّق غرض الفقيه بالبحث عنها إلا في الأدلَّة إذ لا يترتب على ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمها فائدة في مثل النذور والعقود والأقارير كما تترتب على معرفة الموضوعات اللَّغوية فالبحث في المسألة بحث في الحقيقة في نفس الحكم الشرعي وهو أنّ لفظ الصّلاة المجرّدة عن القرينة هل تحمل على الدّعاء مثلا أو على العبادة المعهودة وقد تقرّر أنّ الظنّ في مثل المسألة حجّة أمّا عند المعوّلين على مطلق الظنّ فواضح وأمّا عند المقتصرين على الظَّنون الخاصة فإنّ الظنّ المستفاد من تلك الأدلَّة مع ملاحظة الإجماعات المنقولة في المسألة والشهرة المحققة وإشعارات كثير من الأسئلة والأجوبة الواردتين في الأثر وتبادر أذهان السّامعين إلى المعاني الجديدة من حاق الألفاظ المذكورة ولو بحكم أصالة عدم القرينة وملاحظة حمل الشارع بعض المعاني الجديدة على بعض الألفاظ المتنازع فيها كقوله صلى الله عليه وآله الصّلاة ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود وأمثال ذلك ممّا وردت في الصّلاة وغيرها من الأخبار البيانية قولا وفعلا ممّا يعول على مثله على جميع المشارب وإن شئت جعلت الأدلَّة والإجماعات من المعاضدات للإشعار المستظهر من الأخبار حتّى يكون ذلك الإشعار بالغا درجة الظَّهور اللَّفظي المعتبر فتستقيم الحجّة ويظهر المستند للفقيه المتردّد في أنّ المراد بلفظ الصّلاة المجرّد عن القرينة مثلا ما ذا ومن جميع ما ذكرنا ظهر حجة المفصّلين مع ما فيها من الصحّة والسّقم وأمّا حجة النّافين فالَّذي يليق بالتعرّض هو أصالة عدم النّقل واستصحاب بقاء المعنى اللَّغوي وأجاب عنه بعض المحقّقين بأنّ هذا الأصل غير مفيد للظَّن باعتبار قيام أمارات الوضع ولو لم تكن مفيدة للعلم أو أمارات معتبرة إلَّا أنّها توجب عدم الوثوق والظنّ بمؤدّى الأصل المزبور فلا يعول عليه للإناطة العمل بالأصول على الظنّ الفعلي دون التعبّد وهذا الجواب بمعزل عن مسلكنا ونحن نجيب عن الأصل المزبور بما نبّهنا عليه في تعارض النقل والمجاز فارجع وتأمّل والله الهادي تنبيهات الأوّل أنّ ظاهر الحدود وجملة من أدلَّة الطَّرفين وتصريح غير واحد من أهل التتبع كون مقصود المثبتين إثبات الوضع التعييني وأنّ الشارع قد نقلها عن المعاني اللَّغوية إلى المعاني الشرعية لكن المصرّح به في شرح المختصر وغيره أنّه مطلق الوضع الشّامل للتعيّن الحاصل من غلبة الاستعمال فلو بني على الأوّل أمكن إقامة الدّليل على ثبوتها في جميع الألفاظ الدّائرة في لسان المتشرعة وأمّا على الثاني فلا بدّ من إقامة الدّليل عليها في كلّ لفظ من الألفاظ المعهودة ومن ذلك يظهر أنّه لو عوّلنا في المسألة على الوجه الثاني والرابع ثبت الوضع في جميع الألفاظ لأنّ مفادهما تعيين الشّارع لها بإزاء معانيها الجديدة الَّتي استعمل فيها ولو مرّة واحدة وإن اعتمدنا على الوجه الأوّل و