الثاني : وإمّا أنّ هذه الموادّ قد بُحثت في أبواب أخرى من فروع المعرفة ، إلاّ أنّ الفقيه لا يرتضي النتائج التي انتهى إليها البحث في تلك المواضع ، فيستأنف البحث عنها ؛ كما إذا أراد أن يعتمد على مسألة التحسين والتقبيح العقليين مثلاً ، فإنّ هناك اتّجاهات متعدّدة في فهم هذه المقولة الكلامية والمعرفيّة ، ومن هنا فهو يطرحها لاختيار الاتّجاه الصحيح منها . الثالث : وإمّا أنّ هذه الموادّ وإن بُحثت في مواضعها الخاصّة ، وأنّ الفقيه يرتضي النتائج التي انتهى إليها البحث ، لكن توجد حيثيّة مرتبطة بالاستدلال الفقهي لم تبحث في تلك العلوم ، كالبحث عن المعنى الحرفي أو البحث عن المشتقّ ، فهما بحثان ينتميان في أصلهما إلى بحوث فقه اللغة ، وقد جيء بهما إلى ثنايا البحث الأصولي لوجود حيثيّة غير مبحوث عنها في فقه اللغة ، وهي إمكان الإطلاق في الهيئات وعدم إمكانه ، ومن الواضح أنّ هذه الحيثيّة تقع في طريق استنباط الحكم الشرعي . إذن حينما تطرح هذه المسائل وبهذه الحيثيّات المختلفة فيما يسمّى بعلم الأصول ، فلا تكون بالضرورة مرتبطة جميعاً بعملية الاستدلال الفقهي خاصّة ، بل هي مجموعة من المسائل التي تنتمي إلى علوم مختلفة كالفلسفة والكلام واللغة وفقه اللغة والمنطق والآداب والقانون والاجتماع وعلم النفس وغيرها . وإذا كان الأمر كذلك فمن غير المعقول إبراز ضابط حقيقيّ يجمع هذا الكمّ المتنوّع من المسائل ، لأنّ كلّ واحد منها داخل في موضوع علمه الخاصّ به . تأسيساً على ما تقدّم فنحن نعتقد بأنّ ما يصطلح عليه بعلم الأصول