إكرام أحدهما ، إذ لا يجب إكرامهما معاً ؛ بمقتضى الدليل الثاني ، ولا يجوز ترك إكرامهما معاً ؛ بمقتضى الدليل الأوّل . فإنّ دليل « أكرم كلّ عالم » يوجد فيه إطلاقان : أحدهما أفراديّ والآخر أحواليّ ، ومع وجود الدليل الثاني يسقط أحد هذين الإطلاقين وهو الأحوالي ، فيتحقّق التخيير بين إكرام زيد أو إكرام عمرو ، وهذا نحو ثالث من التخيير وإن كان قريباً من التخيير العقلي . في ضوء ذلك فإنّ المحقّق النائيني ذكر أنّ العلم الإجمالي ينجّز وجوب الموافقة القطعية ، لأنّ جريان الأصول في جميع الأطراف مستحيل ؛ لإفضائه إلى المخالفة القطعية المحرّمة . وجريانها في بعضها ترجيح بلا مرجّح . وجريانها في بعضٍ غير معيّنٍ ليس بمعقول . وفي هذه النقطة يأتي نقض المحقّق العراقي من أنّ هناك شقّاً رابعاً حاصله جريان الأصل المؤمّن في أحد الطرفين بشرط عدم جريانه في الطرف الآخر ، وهذا يعني أن يكون المكلّف مخيّراً في ارتكاب أحد الطرفين بشرط عدم ارتكاب الآخر . « وهذا يرجع بحسب حقيقته إلى تقييد الإطلاق الأحوالي لدليل الأصل بلحاظ كلّ من الفردين مع التحفّظ على عمومه الأفرادي لكلّ منهما ، فإنّ محذور الترخيص في المخالفة القطعية يرتفع بهذا المقدار ، فلا موجب لرفع اليد عن عمومه الأفرادي ، فينتج براءتين شرعيتين في الطرفين مشروطتين كلّ منهما بترك الآخر ، وهو من الجمع بين الترخيص ، لا الترخيص في الجمع بين الطرفين ، بل يستحيل أن يؤدّي إلى الترخيص في الجمع كما في باب الترتّب بين الأمرين الذي يكون من الجمع بين الطلبين ، لا طلب الجمع بين الضدّين » [1] .