من الأمور البديهية أو القريبة منها ، لا تنسجم مع حقيقة الأبحاث الكلامية وما فيها من الجانب العقلي البحت . فإن قيل : لو كان الأمر في المسائل الاعتقادية كما تدّعون من الدقّة والعمق العقلي ، فما هو حال عموم الناس بالنسبة لتحصيل الجزم فيها ، خصوصاً مع عدم جواز التقليد في هذه المسائل ؟ قلنا : ثبت في محلّه من علم الكلام أنّ المسائل العقائدية التي يمكن أن ينالها الإنسان المتعارف ويجزم بها قليلة عدداً ، وأنّ الأعمّ الأغلب من مسائل أُصول الدين لا بدّ للإنسان الاعتيادي أن يكون مقلّداً فيها [1] . وأمّا الجواب الثاني عن النقض الأوّل فهو مبنيّ على قبول نظرية الاحتمال ومنطق الاستقراء ، وإلاّ فإنّ من أهمّ النقاط التي يمكن ذكرها بصدد هذه النظرية هو تحديد ماهية اليقين المطلوب حصوله في مسائل أُصول الدين ، فإن كان المطلوب هو اليقين البرهاني فإنّ المنطق الاستقرائي لا يورث مثل هذا اليقين كما حقّق في محلّه ، بل هو مورث لليقين الأصولي ، نعم مع القول بكفاية اليقين الأصولي في ثبوت أُصول الدين فتكون النظرية المذكورة ممكنة الاعتماد في المقام . وأمّا الجواب عن النقض الثاني من أنّ المواد الفقهية هي موادّ عرفية وعقلائية عموماً ولا يقع فيها الخطأ والاشتباه بنسبة كبيرة ، ففيه : أنّ الكلام ليس في خصوص قضية عقلية لكي يتمّ محاكمتها بهذه الصورة ، بل هي قضية استقرائية راجعة إلى تتبّع المواد الفقهية خارجاً . ولا يخفى - عند المراجعة - كثرة الاختلافات الواقعة في الاستدلالات
[1] للوقوف على تفاصيل هذه المسألة يراجع « التفقّه في الدين » حوار مع السيّد كمال الحيدري بقلم طلال الحسن ، دار فراقد ، 1425 ه : ص 115 وما بعدها .