كافياً لردّ تلك الدعوى ؛ ببيان : أنّ المحدّث الأسترآبادي ومن تبعه في هذا الاتّجاه كأنّهم بصدد الإشارة إلى قاعدة رياضية لإثبات خطأ نتائج الاستدلالات العقلية ؛ ضرورة أنّهم لو استندوا إلى دليل عقليّ لنفي نتائج الدليل العقلي فسيكون ذلك تناقضاً لا محالة ، ومن هنا قال في مقدّمة الفوائد المدنية : إنّ المواد الهندسية والرياضية مورثة لليقين . وحاصل القاعدة : إنّ من ينظر إلى مجموع الاستدلالات العقلية البعيدة عن البداهة لا يتحقّق له الجزم بصحّتها جميعاً ، بل سيكون عنده علم قطعيّ بخطأ بعضها . فلو فُرض أنّ مجموع الاستدلالات العقلية هو مئة استدلال وهناك علم إجمالي بوجود عشر استدلالات خاطئة ضمنها ، فلا يتحقّق حينئذ الجزم واليقين في أي استدلال من هذه المئة ، لأنّ نسبة الخطأ في كلّ واحدة منها هي 10 % ومعه لا يمكن الاعتماد على واحد منها لحصول اليقين الجازم . ولعلّ هذا المعنى هو روح دعوى الأسترآبادي في المقام . وعليه سيكون إشكاله كبروياً . فهو لا يقول بعدم حجّية اليقين بل يقول بعدم انبغاء حصول اليقين أصلاً ، وستأتي مناقشة هذا المعنى لاحقاً في تحقيق كلام الأسترآبادي . ومنه يظهر أيضاً عدم تمامية ما ذكره بعض الأعلام من أنّ نظرية المحدّثين قد تسرّبت إلى الفكر الإسلامي نتيجة التأثّر بالنظرية الحسّية في الفكر الغربي ؛ ضرورة أنّ النافين لحجّية الدليل العقلي لم يكونوا بصدد إثبات عدم وجود مدركات قطعية وراء الحسّ والتجربة كما تقرّر ذلك النظرية الحسية في الفكر الغربي ، بل غرض المحدّث حصر المعرفة بالدليل الشرعي النقلي وإلغاء الدليل العقلي النظري في مجال استكشاف