الاتّجاه الثاني : يرى أتباع هذا الاتّجاه أنّ العقل النظري قوّة تقوم بدور الإدراك ، بينما العقل العملي قوّة تقوم بدور البعث والتحريك ، فهما قوّتان متغايرتان ، والكاشف عن تغاير ذاتيهما هو الآثار الصادرة عن كلّ منهما . فالإدراك أثر يغاير البعث والتحريك ، فما يكون درّاكاً لا يكون عمّالاً ، وما يكون عمّالاً لا يكون درّاكاً ؛ إذ شأنهما شأن القوى الأخرى في النفس . فالقوّة المولّدة مثلاً لا تقوم بدور التغذية الذي تقوم به الغاذية ، والمدركة للمعنى الكلّي لا تقوم بإدراك المعنى الجزئي ، وهكذا الأمر بالنسبة لبقيّة القوى حيث تقوم كلّ منها بدور وتختصّ به لا تؤدّيه عنها قوّة أُخرى ، فكذلك الأمر فيما نحن فيه . فالقوّة التي تدرك لا تقوم بدور العمل والتحريك ، والقوّة التي تحرّك وتعمل لا تدرك . وقد صرّح بهذا الاتّجاه بهمنيار في التحصيل حيث قال : « اعلم أنّ النفس الإنسانية التي ذكرنا أنّها واحدة وتتصرّف في هذه القوى تقوى على إدراك المعقولات وعلى التصرّف في القوى البدنية بالطبع لا بالاكتساب . . . بهيئتين ، فبإحداهما تُقْبِلُ النفس على مفيد الصورة المعقولة . . وهذه تسمّى عقلاً نظرياً ، وبالأخرى تُقْبِل على البدن وتسمّى عقلاً عملياً ، وليس من شأنها أن تدرك شيئاً بل هي عمّالة فقط » [1] . بالرغم من أنّ المشهور هو الاتّجاه الأوّل - الذي يقرّر أنّ وظيفة
[1] التحصيل ، تعليق الأستاذ الشهيد مرتضى مطهّري ، جامعة طهران : ص 789 ، نقلاً عن : دروس في علم النفس الفلسفي ، تقريراً لدروس السيّد كمال الحيدري ، بقلم الشيخ عبد الله الأسعد ، دار فراقد ، عام 2003 م : ص 141 .