لا ريب في امتلاك الإنسان لمجموعة من القوى النفسية كالقوّة العقلية والشهوية والغضبية ، وأنّ مقتضى الغضبية وما يلائمها هو دفع الأعداء عن النفس ، ومقتضى الشهوية ما يلائمها من الأكل والجماع وغيره ، وعليه فهناك مجموعة من الملائمات ومجموعة من المنافرات ، وحينما نقول إنّ العدل ملائم للإنسان وإنّ الظلم منافر له ، فإنّ ذلك مرتبط بما تقتضيه القوّة العقلية الموجودة عند الإنسان . فالعقل يميل نحو العدل لأنّه يلائمه ، وبالمقابل ينفر من الظلم لأنّه لا يلائمه ، واستناداً إلى هذا المعنى من الملاءمة والمنافرة يتفرّع الا نبغاء وعدم الا نبغاء العقلي . فلو علم الإنسان أنّ النار محرقة ، سوف يرتّب على ذلك قضية تقول : « لا ينبغي لمس النار » . وهذه قضية عملية ، مترتّبة على القضية النظرية التي تقرّر أنّ « النار محرقة » . وهذا من الأبحاث المهمّة والجوهرية في نظرية المعرفة ، وهو كيفيّة استخراج القضية العملية من القضية النظرية . في ضوء المثال المذكور ينبثق السؤال التالي : لماذا إذا كانت النار محرقة فلا ينبغي لمسها ؟ الجواب : إنّ الإنسان يحبّ ذاته ويحبّ كمالات ذاته أيضاً ، فما يدركه ملائماً لها يحكم بأنّه « ممّا ينبغي » ، وما يدركه منافراً لها يحكم بأنّه « ممّا لا ينبغي » ؛ وعليه يكون الحدّ الأوسط الذي يربط قضية عملية بقضيّة نظرية هو حبّ الذات وكمالاتها . وهذا هو المعنى الذي أراده الحكماء في تفسير قضايا الحسن والقبح ، وليس المراد ما فهمه الأصوليّون في هذه المسألة ، فتدبّر . قال الطباطبائي بصدد هذه الحقيقة : « إذا خلّيت ذهنك وأقبلت به على الإنسان ، هذا الموجود الأرضي الفعّال بالفكر والإرادة ، واعتبرت نفسك كأنّك أوّل ما تشاهده وتقبل عليه ، وجدتَ الفرد الواحد منه أنّه