أمّا القضايا العقلائية فهي تلك القضايا التي أقرّها العقلاء فيما بينهم لأجل تنظيم شؤون حياتهم ، فلو كانت هذه الحياة بنحو آخر لما احتاجوا إلى تلك القضايا ، أي أنّ ثمّة مجموعة من المصالح والمفاسد أدركها العقلاء في حياتهم ، فوجدوا أنّ حياتهم الاجتماعية لا يمكن أن تقوم على النظام إلاّ من خلال هذه القواعد والقضايا التي اتّفقت عليها آراء العقلاء ، وهي التي تسمّى بالآراء المحمودة أو المشهورة . قال الشيخ الرئيس ابن سينا : « فأمّا المشهورات ، ومنها الآراء المسمّاة بالمحمودة ، وربما خصّصناها باسم المشهورة ؛ إذ لا عمدة لها إلاّ الشهرة ، وهي آراء لو خُلّي الإنسان وعقله المجرّد ، ووهمه وحسّه ، ولم يؤدّب بقبول قضاياها والاعتراف بها ، ولم يَمِلْ الاستقراء بظنّه القوي إلى حكم ، لكثرة الجزئيات ، ولم يستدع إليها ما في طبيعة الإنسان من الرحمة والخجل والأنفة والحمية وغير ذلك ، لم يقض بها الإنسان طاعة لعقله أو وهمه أو حسّه ، مثل حكمنا أنّ سلب مال الإنسان قبيح وأنّ الكذب قبيح لا ينبغي أن يُقدم عليه . . . وليس شيء من هذا يوجبه العقل الساذج ، ولو توهّم نفسه وأنّه خلق دفعةً تامّ العقل ولم يسمع أدباً ولم يطع انفعالاً نفسانياً أو خُلقياً ، لم يقض في أمثال هذه القضايا بشيء ، بل أمكنه أن يجهله ويتوقّف فيه ، وليس كذلك حال قضائه بأنّ الكلّ أعظم من الجزء » [1] . في ضوء الاختلاف المذكور انقسم علماء الأصول إلى اتّجاهين في هذه المسألة ، فقد ذهب المحقّق الإصفهاني وبعض أعلام تلامذته إلى أنّ قضايا الحسن والقبح تنتمي إلى القضايا المشهورة التي تطابقت عليها
[1] الإشارات والتنبيهات ، الشيخ الرئيس ابن سينا ، بشرح المحقّق الطوسي : ج 1 ص 219 .