الاستحسان والتخمين ونحوهما ، بل كانوا ينتهون إلى تشخيص الوظيفة العمليّة ، لكنّهم كانوا يسمّونها دليلاً عقليّاً . واستمرّ الحال على هذا مدّة من الزمان ، ثمّ حينما توسّع البحث في الدليل العقلي ، ذكروا تحته عنواناً مستقلاًّ هو الاستصحاب ، وجعلوا البراءة ترجع إلى الاستصحاب بوجه من الوجوه ، وقالوا : إنّ البراءة عبارة عن استصحاب براءة الذمّة الثابتة بحكم العقل ، وسمّوها باستصحاب حال العقل ، وكذلك وُجد في كلماتهم تقريب البراءة بحكم العقل وذلك من باب قبح التكليف بما لا يطاق ، كما هو في كلمات المحقّق الحلّي ، وأضيف بعد ذلك - في المعتبر والذكرى - إلى تقريبات البراءة تقريب مفاده : إنّ عدم الدليل ، دليل على العدم ، ببيان أنّ المبلّغين بلّغوا الأحكام الشرعيّة ، ففي المورد الذي لا نجد دليلاً على الحكم ، نستكشف منه عدم وجود ذلك الحكم ، وكلّ هذا كان بروح معاملة أصالة البراءة معاملة دليل عقليّ قطعيّ في عَرْض الأدلّة الثلاثة الأخرى ، وهي الكتاب والسنّة القطعيّة والإجماع . ثمّ لمّا شاع العمل بالأمارات الظنّية عموماً وبخبر الواحد خصوصاً ، وتوسّع البحث في نطاق الأمارات الظنّية تدريجاً ، جُعلت أصالة البراءة دليلاً ظنّياً وأمارة ظنّية ، وميّز بينها وبين الاستصحاب ، وجعلوا الاستصحاب أيضاً حجّة بملاك الظنّ في بعض كلمات الأصوليّين ، بل يظهر من صاحب المعالم أنّ هناك تصريحات دالّة على أنّ بناءهم على حجّية أصالة البراءة من باب الظنّ ، بل امتدّت هذه الفكرة لتؤثّر على بعض المتأخّرين ، كالمحقّق القمّي صاحب القوانين على ما ينقل عنه الشيخ الأنصاري قدّس سرّهما . ثمّ بعد هذا بدأ علم الأصول يحدّد مفهوم الأصل العملي على يد المتأخّرين عن صاحب المعالم والشيخ البهائي ، ولعلّ من أوائل من نبّه