قال الطباطبائي : « ثمّ إنّا نرى أنّه تعالى نصب نفسه في مقام التشريع وجرى في ذلك على ما يجري عليه العقلاء في المجتمع الإنساني ، من استحسان الحسن والمدح والشكر عليه واستقباح القبيح والذمّ عليه ، كما قال تعالى : إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ [1] ، وقال : بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ [2] . وذكر أنّ تشريعاته منظور فيها إلى مصالح الإنسان ومفاسده ، مرعيّ فيها أصلح ما يعالج به نقص الإنسان فقال تعالى : إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [3] ، وقال تعالى : ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [4] ، وقال تعالى : إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسانِ إلى أن قال : وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [5] ، والآيات في ذلك كثيرة ، وفي ذلك إمضاء لطريقة العقلاء في المجتمع ، بمعنى أنّ هذه المعاني الدائرة عند العقلاء من حسن وقبح ومصلحة ومفسدة وأمر ونهي وثواب وعقاب أو مدح وذمّ وغير ذلك والأحكام المتعلّقة بها كقولهم : الخير يجب أن يؤثر والحسن يجب أن يفعل ، والقبيح يجب أن يجتنب عنه إلى غير ذلك ، كما أنّها هي الأساس للأحكام العامّة العقلائية كذلك الأحكام الشرعية التي شرّعها الله تعالى لعباده مرعيّ فيها ذلك » [6] . أمّا لماذا تعامل سبحانه وتعالى مع عبيده في هذا العالم بهذا النوع من التعامل مع أنّ مقتضى مولويّته الحقيقيّة ليست كذلك ؟
[1] البقرة : 271 . [2] الحجرات : 11 . [3] الأنفال : 24 . [4] الصف : 11 . [5] النحل : 90 . [6] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 1 ص 97 .