أمّا في القضايا التي تقع في طريق الوصول إلى عالم الآخرة والقرب الإلهي كالعبادات الشرعية ، فنجد أنّ الإسلام قد تعرّض لبيان أدقّ التفاصيل والخصوصيات التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان عند عبادته لله سبحانه وتعالى ؛ ضرورة عجز العقل البشري عن إدراك تفاصيل هذا الطريق والنتائج المترتّبة عليه في النشأة الأخرى . فلو عاش العقل البشرى ملايين السنين متأمّلاً متفكّراً لما أدرك أنّ صلاة الصبح ينبغي أن تكون ركعتين ، أو أنّ الحجّ إلى بيت الله الحرام يتمّ بهذه الكيفية التي تنصّ عليها كتب الفقه . استناداً إلى ذلك نجد أنّ الشارع المقدّس - في بعض أوامره وتكاليفه - لا يوحّد بين الغرض والهدف الذي يريده وبين ما يسجّله ي عهدة المكلّف ، إذ قد يكون هدفه هو الانتهاء عن الفحشاء والمنكر لكنّه لا يسجّل هذا الهدف في عهدة المكلّف مباشرة بل يأمره بالمقدّمات التي يعلم المولى أنّها تؤدّي إلى تحقيق الهدف المذكور كالصلاة . وهذا له عدّة أسباب ، منها : أنّ المولى سبحانه لو ترك اختيار الطريق الموصل إلى الكمال الحقيقي بيد المكلّف مع فرض قصور عقله عن ذلك سوف يحصل التباس للطرق الموصلة إلى تلك الغاية الحقيقية ، كما إذا كان الغرض مثلاً حفظ النظام الاجتماعي الذي تختلف فيه الأنظار وتتعدّد فيه المسالك والتشريعات التي يسنّها العقل الإنساني في هذا المجال . فالمولى يشخّص الطريق الذي يراه موصلاً إليه فيأمر به تعييناً حفاظاً على غرضه في دائرة أوسع وتجنّباً عن وقوع المكلّفين في الخطأ لو تُرك الأمر إليهم . وعليه فالانقياد التامّ والدخول في العبودية الحقيقية للمولى سبحانه لا يتحقّق إلاّ بكيفية مخصوصة منه عزّ وجلّ .