الكماليّة وسعادة الحياة ، فما كان من الأعمال مطابقاً لسعادة الحياة وصفه بالحسن ، ثمّ أمر به وندب إليه ، وما كان منها على خلاف ذلك وصفه بالقبح ثمّ نهى عنه وحذّر منه ، فحسن الفعل وقبحه هو موافقته لغرض الحياة وعدمها ، والغايات التي تضطرّ الإنسان إلى جعل هذه الأوامر والنواهي واعتبار الحسن والقبح في الأفعال هي المصالح المقتضية للجعل ، وعليه ففرض حكم تشريعيّ لا حسن في العمل به ولا مصلحة تقتضيه كيفما فرض هو فرض متطارد الأطراف لا محصل له . ثمّ إنّ ما شرّعه الله سبحانه من الأحكام والشرائع متّحد سنخاً مع ما نشرّعه فيما بيننا من الأحكام ، وهي معان اعتباريّة ، لكن ساحته تعالى منزّهة من أن تقوم به الدعوى والاعتبار ، فتكون هذه الدعاوى والاعتبارات منه تعالى قائمة بظرف الاجتماع كالترجّي والتمنّي منه تعالى القائمين بمورد المخاطبة ، لكن الأحكام المشرّعة منه تعالى متعلّقة بالإنسان الاجتماعي السالك بها من النقص إلى الكمال ، والمتوسّل بتطبيق العمل بها إلى سعادة الحياة الإنسانيّة ، فثبت أنّ لفعله تعالى التشريعي مصلحة وغرضاً تشريعيّاً ، ولما أمر به أو نهى عنه حسناً وقبحاً ثابتين بثبوت المصالح والمفاسد . فقول القائل : إنّ أفعاله التشريعيّة لا تعلّل بالأغراض ، كما لو قال قائل : إنّ ما مهّده من الطريق لا غاية له ، ومن الضروري أنّ الطريق إنّما يكون طريقاً بغايته ، وقول القائل : إنّما الحسن ما أمر به الله والقبيح ما نهى عنه ، فلو أمر بما هو قبيح عقلاً ضروريّاً كالظلم كان حسناً ، وبالعكس ، كما لو قال قائل : إنّ الله لو سلك بالإنسان نحو الهلاك والفناء كان فيه حياته السعيدة ، ولو منعه عن سعادته الخالدة الحقيقيّة عادت