عدم صحّة القول بأنّ هناك حقوقاً متبادلة بين الله سبحانه وبين الناس من الناحية العقليّة إلاّ حقّ المولى الحقيقي على عباده . قال الشيخ المفيد قدّس سرّه : « إنّ ما أوجبه أصحاب اللطف من اللطف إنّما وجب من جهة الجود والكرم ، لا من حيث ظنّوا أنّ العدل أوجبه وأنّه لو لم يفعله لكان ظالماً » [1] . وقد بيّن القرآن الكريم هذه الحقيقة بقوله تعالى : ( كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة ) [2] ; بمعنى أنّه لم يكن هناك واقع خارج فعل الحقّ تعالى لكي يكون فعله مطابقاً له ، بل هو كتب على نفسه الرحمة تفضّلاً منه لجوده وكرمه . بناءً على ذلك يقرّر العلاّمة الطباطبائي قدّس سرّه : « فمن عظيم الجرم أن نحكّم العقل عليه تعالى فنقيّد إطلاق ذاته غير المتناهية فنحدّه بأحكامه المأخوذة من مقام التحديد والتقييد ، أو أن نقنّن له فنحكم عليه بوجوب فعل كذا وحرمة فعل كذا ، وأنّه يحسن منه كذا ، ويقبح منه كذا على ما يروم قوم ، فإنّ في تحكيم العقل النظري عليه تعالى حكماً بمحدوديّته ، والحدّ مساوق للمعلوليّة ، فإنّ الحدّ غير المحدود والشيء لا يحدّ نفسه بالضرورة ، وفي تحكيم العقل العملي عليه جعله ناقصاً مستقبلاً تحكم عليه القوانين والسنن الاعتباريّة التي هي في الحقيقة دعاوٍ وهميّة في الإنسان » [3] .
[1] أوائل المقالات ، الإمام الشيخ المفيد ( ت 413 ه - ) ، نشر دار المفيد ، ط 2 ، 1414 ه - ، ص 59 . [2] الأنعام : 12 . [3] الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 8 ص 56 .