الوجه الثاني : أنّ الإبهام وعدم الوضوح المدّعى في آيات القرآن ليس مقصوداً من قبل الله سبحانه وتعالى بل هو مقتضى طبع هذا الكتاب الإلهي ، مع الأخذ بنظر الاعتبار العاملين التاليين : 1 . إنّ المتكلّم هو الحقّ سبحانه وتعالى ، وهو يعمل على شاكلته ، ومقتضى المسانخة بين الكلام والمتكلِّم أن يكون الكلام فوق تصوّر البشر المخلوقين وإمكاناتهم المحدودة في الإدراك ، والله سبحانه تجلّى لخلقه في كتابه ، وحيث إنّ فهم الإنسان قاصر عن الإحاطة بالمتكلِّم فهو قاصر عن فهم كلامه والإحاطة بمعانيه أيضاً . 2 . إنّ الله سبحانه وتعالى بيّن في القرآن جميع المعارف والعلوم من التوحيد والمعاد والنبوّة وحقائق الغيب والملكوت بأعلى درجات الدقّة والعمق ، ومن ثمّ فهي متعذّرة الفهم على البشر لأنّ هذه الحقائق أعلى من أن تحيط بها الألفاظ ونظام اللغة الذي يمثِّل طريقة التفاهم الأولى والوحيدة بين الناس في هذه النشأة ، وبذلك تثبت الحاجة الضرورية للإمام الذي يبيّن للناس مفاهيم القرآن ومقاصده . ويلاحظ عليه : أوّلاً : لزوم نقض الغرض بالبيان المتقدّم . ثانياً : لو كان علوّ مقام المتكلّم وعظمة شأنه يمنعان من فهم كلامه الموجّه لمن هو أدنى منه مقاماً ، فهو يجري في كلمات أهل البيت عليهم السلام بالنسبة لمن هو أدنى منهم مقاماً في معارف الدين وهم عموم الناس ، فالجواب عن هذا النقض يجري بعينه على مستوى كلام الحقّ سبحانه وتعالى . ثالثاً : لو كان المدّعى أنّ كلّ إنسان يستطيع الوقوف على جميع