معارف القرآن والإحاطة بها لكان الإشكال المذكور وارداً ، إلاّ أنّه لا ينفي وجود درجة من درجات القرآن قابلة للفهم من قبل الجميع ، فالوجه المذكور لا يثبت السلب الكلّي الذي هم بصدده . فالقرآن قابل للفهم من جميع الناس في أدنى درجاته ، وحينما يفهم القرآن بهذه الدرجة سوف يوجّه الفاهم إلى درجة أكبر وأعمق من الفهم من خلال الرجوع إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام . يشهد لذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام : « ثمّ إنّ الله قسّم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسماً منه يعرفه العالم والجاهل ، وقسماً لا يعرفه إلاّ من صفا ذهنه ، ولطف حسّه وصحَّ تمييزه ، ممّن شرح الله صدره للإسلام ، وقسماً لا يعلمه إلاّ الله وملائكته والراسخون في العلم ، وإنّما فعل ذلك لئلاّ يدّعي أهل الباطل المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم . . » [1] . والحاصل أنّ للقرآن درجات متفاوتة من الفهم ، وتعذّر بعضها على عموم الناس لا يستلزم تعذّر الباقي جميعاً ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ القرآن قد بيّن أعمق الحقائق وأدقّها بلسان يفهمه العرف العامّ فضلاً عن الخواصّ ، وهذه هي لغة « المثَل » في القرآن ؛ إذ ما من حقيقة من حقائق الوجود سواء في عالم الغيب أو الشهادة إلاّ وبيّنها من خلال الأمثال . قال تعالى : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ ) [2] ، فمثلاً قوله تعالى : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) [3] يتكفّل بيان إحدى حقائق الوجود ، لكن هذه الحقيقة القرآنية يختلف مستوى فهمها باختلاف
[1] وسائل الشيعة ، مصدر سابق : ج 27 ص 194 ، الحديث 44 . [2] الروم : 58 . [3] النور : 35 .