الالتفات إلى تلك النكات ، إلاّ أنّه قد يقال بأنّ هذه لشباهتها بإعمال الرأي والقياس يحتمل شمول الروايات الرادعة لها ، ومعه لا يبقى جزم بعدم الردع لولا إبراز السيرة المتشرّعية وفعليّة عملهم بها » [1] . [2]
[1] بحوث في علم الأصول ، مصدر سابق : ج 4 ص 258 . [2] البحث حول تقسيم الظهور إلى عرفيّ وآخر دقّي معتمد على التحليل وإعمال المناسبات له معطيات كبيرة على مستوى البحث المعرفي في المقولات الدينيّة ، وهو من أهمّ المباحث التي تُثار في مسائل أصول الدِّين والبحوث العقدية عموماً ، إذ تنقسم معارف الدِّين عموماً إلى قسمين : أحدهما : المسائل التي يكون الغرض منها الإيمان والاعتقاد القلبي وإن كان يترتّب عليها أثر عمليّ كالمسائل الاعتقادية في أصول الدِّين . والآخر : المسائل التي يكون الغرض منها العمل الشرعي وإن كانت تترتّب عليها آثار اعتقادية التزاماً ، كتشريع الصلاة والصوم وسائر العبادات وفروع الدِّين . وفي هذا المجال وقع البحث حول مسألة « الإمامة » وأنّها إلى أيّ القسمين تنتمي ؟ فقد ذهبت مدرسة الخلفاء إلى أنّها من المعارف الدينيّة العملية الفقهية لا الاعتقادية ، وذهبت مدرسة أهل البيت إلى أنّ الإمامة مسألة تنتمي إلى ميدان البحث العقدي ، نعم تترتّب عليها آثار عملية كالطاعة والتسليم والانقياد . وهناك تقسيم آخر للمعارف العقدية نفسها اقترحناه في بحوثنا الكلامية ، وهو أنّ المسائل العقدية والإيمانية تنقسم إلى قسمين هما : الأصول العقدية ، والفروع العقدية . ومثال الأوّل الإيمان بالله الواحد الأحد والإيمان بالنبوّة والإمامة والمعاد ، وأمّا الثاني فمثاله البحث في حقيقة علم النبيّ والإمام وحقيقة الصراط وتفاصيل البرزخ وغيرها من تفاصيل البحث العقدي . في ضوء ذلك لا بدّ أن نعرف هل اليقين المطلوب في المسائل العقدية يشمل جميع هذه المسائل أم بعضها ؟ ولا شكّ أنّ هذه المسألة لم تنقّح بصورة مستقلّة ومفصّلة في أبحاث علم الكلام ؛ إذ إنّهم يطلقون القول بمطلوبيّة اليقين في أصول الدِّين من دون تفصيل في ذلك . إلاّ أنّا حينما نرجع إلى عامّة الناس لا نراهم يعرفون حتّى معنى اليقين الأعلائي المذكور في أمثال هذه المسائل ، ولا يوجد عندهم إلاّ الاطمئنان القلبي . ومن الواضح أنّ مسائل فروع العقائد تعتمد على حجّية الظواهر من القسم الثاني أي الظهور الدقّي المحتاج إلى التحليل والدقّة وجمع القرائن . وعليه لا بدّ من التفصيل بين الإنسان المجتهد المحقّق في هذه المعارف وبين الإنسان الاعتيادي ، فيكون المطلوب من الأوّل الحصول على اليقين بالمعنى الأخصّ الحاصل من مقدّمات برهانية مادّةً وصورة . وأمّا الثاني فليس المطلوب منه إلاّ اليقين بمعناه الأعمّ ، وهو اطمئنان النفس بثبوت المحمول للموضوع . في هذا المجال يمكن القول أيضاً : لو كان المطلوب في المسائل العقدية هو خصوص اليقين بالمعنى الأخصّ ، فلا يمكن اعتماد ما طرحه السيّد الشهيد في كتاب « الأسس المنطقية » في تحقيق مثل هذه المسائل ، فقد صرّح قدّس سرّه أنّ نتيجة المذهب الذاتي هي ثبوت المحمول للموضوع فقط ، وأمّا استحالة الانفكاك بينهما فلا يثبتها ، وهذا فرق أساسيّ بين المنطق الأرسطي والمذهب الذاتي في نظرية المعرفة . ثمّ إنّ ما افترضناه من أنّ المطلوب في الفروع الاعتقادية هو اليقين بمعناه الأعمّ يرجع إلى أنّ طريق البرهان مغلق بالنسبة إلى جلّ هذه المسائل وليس للعقل القدرة على الخوض فيها كحقيقة البرزخ والميزان والصراط وتطاير الكتب وغيرها من تفاصيل المعارف العقدية ، ومن هنا قال العرفاء : إنّ مسائل العرفان طور وراء طور العقل . وفي ضوء ذلك ينفتح باب التقليد في دائرة هذه المسائل الاعتقادية ، وبه ينفتح بحث حجّية الظواهر في هذا المجال . راجع تفاصيل ذلك في : التفقّه في الدِّين ، حوار مع السيّد كمال الحيدري ، بقلم طلال الحسن ، دار فراقد ، ط 11 ، 1425 ه - : ص 115 وما بعدها .