الحسّ أو القريب من الحسّ وذلك بالسؤال منهم ، وهم جلّ الأصحاب المعاصرين لهم والناقلين لآثارهم ، وأمّا فقهاء عصر الغيبة فإن تطابق آرائهم وفتاواهم على شيء يكون إجماعاً في الفتوى القائمة على أساس الحدس لا الحسّ ، ومن الواضح أنّ تطابق آراء الأصحاب والمتشرّعة في عصر من هذا القبيل لا محالة يكشف عن تلقّيهم ذلك الحكم من الشارع بمعنى استناد موقفهم العملي إليه » [1] . فإن قيل : إنّ الموقف العملي المذكور قد يكون مستنداً إلى نكتة عقلائية عندهم لا إلى أصل شرعيّ . كان الجواب : « أنّ هذا الاحتمال غير موجود بحسب الفرض ؛ لأنّ السيرة انعقدت في مسألة شرعية بحتة كالجهر في الصلاة . فلو فرض أنّ سلوكهم المذكور ممّا لا يرضى به الشارع وغير مقبول لديه بل غير مستند إليه فهذا معناه افتراض الغفلة الحسّية في عدد كبير من الناس ، إمّا بالغفلة عن أصل الفحص والسؤال ، أو عن الفحص التامّ وهو منفيّ بحساب الاحتمالات ؛ فإنّ كلّ واحد وإن كان معقولاً في حقّه ذلك إلاّ أنّ غفلة الجميع في قضيّة حسّية منفيّ بحساب قوانين الاحتمال ومنطق الاستقراء ، بل كيف تطابقت الغفلات على نتيجة واحدة متّفق عليها ؟ فإنّ هذا بعيد أيضاً بنفس الحساب . ومن هنا كانت هذه السيرة أقوى من إجماع أهل الرأي والاجتهاد بمراتب في مقام الكشف عن الموقف الشرعي ؛ لأنّ الإجماع إنّما يكون في قضيّة حدسيّة ممّا يكون احتمال الخطأ فيها من قبل الجميع معقولاً لولا عنايات فائقة » [2] .
[1] بحوث في علم الأصول ، مصدر سابق : ج 4 ص 242 . [2] بحوث في علم الأصول : ج 4 ص 243 .