4 . تحقّق المصالح والمفاسد في جميع الأحكام تتميماً لمعطيات البحث السابق لا بدّ من السؤال عن المقدّمات التي بيّنت من قبل الشارع المقدّس أهيَ بدرجة واحدة أم لها درجات متعدّدة ، متواطية أو مشكّكة ؟ الجواب : صريح القرآن الكريم أنّ الطرق إلى الله تعالى متعدّدة إلاّ أنّها ليست متساوية في درجة إيصالها إلى الحقّ عزّ وجلّ ، وإنّ أعلاها وأحسنها وأكملها هو المعبّر عنه ب « الصراط المستقيم » الذي لا يتعدّد وهو الطريق الوحيد القادر على إيصال العبد إلى ربّه بأحسن ما يمكن وأقرب ما يمكن ، وهناك طرق أخرى متفاوتة في الإيصال والأقربية ، وهي المعبّر عنها ب « السبل » . فالسبيل غير الصراط المستقيم لأنّه يختلف ويتعدّد ويتكثّر باختلاف المتعبّدين السالكين سبيل العبادة [1] ، بخلاف الصراط المستقيم كما يشير إليه قوله تعالى : ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [2] ، فذكر أنّ السبل متعدّدة كثيرة ، والصراط واحد وهو الصراط المستقيم . وبالتأمّل في صفات الصراط المستقيم التي يذكرها القرآن يظهر أنّ
[1] ينظر الميزان في تفسير القرآن ، مصدر سابق : ج 1 ص 34 - 39 . [2] المائدة : 15 - 16 .