أحدهما : المقدّمات التي يستغنى عنها بعد تحقّق ذي المقدّمة ، كما في السلّم لمن أراد الصعود إلى السطح مثلاً ، فإنه يستغني عن السلّم بعد الوصول إلى الغاية . ثانيهما : المقدّمات التي لا يستغنى عنها مع تحقّق ذيها ، أي أنّ مطلوبيّتها تكون متوسّطة لا نهائية ، كما في دراسة علم النحو لغرض الاجتهاد ، فإنّا نحتاج النحو حتّى مع تحقّق الاجتهاد ، وكذلك الأمر في العبادة ، فإنّها وإن كانت مقدّمة للوصول إلى القرب الإلهي لكن لا يستغنى عنها حتّى مع تحقّق الغاية المذكورة ، أي الحاجة إليها ثابتة حدوثاً وبقاءً . من هنا أكّد العرفاء أنّه لا طريق إلى الحقيقة إلاّ من خلال الشريعة ، ومنه نفهم أيضاً ضرورة الشريعة في حياة الإنسان وأنّه يستحيل عليه الوصول إلى مقام القرب الإلهي إلاّ من خلال هذه الشريعة الظاهرة والفقه الموجود عندنا ، فإنّ الأحكام الفقهية مطلوبة قطعاً لكنّها ليست هي الغرض النهائي والغاية الحقيقية لمسيرة التكامل الإنساني ، ومن هنا يتضحّ أنّ البحث ليس في مطلوبية الفقه وعدمها ، فإنّه لا ريب بأنّ أحكام الفقه مطلوبة للشارع بالضرورة دائماً ، بل نريد القول أنّ الفقه غرض متوسّط يوصل الإنسان إلى ساحة القرب الإلهي . الخلاصة ممّا تقدّم أنّ هذه العبادات وغيرها ليست هي المطلوبة بالذات بما هي هي ، كما يقرّر الاتّجاهان الأوّل والثاني ، ولا أنّ المتعلّقات لا دور لها كما في الاتّجاه الثالث ولا هي جزء علّة ، بل هي مطلوبة بما هي مقدّمة منحصرة للوصول .