« الصراط المستقيم مهيمن على جميع السبل إلى الله والطرق الهادية إليه تعالى ، بمعنى أنّ السبيل إلى الله إنّما يكون سبيلاً له موصلاً إليه بمقدار ما يتضمّنه من الصراط المستقيم حقيقة ، مع كون الصراط المستقيم هادياً موصلاً إليه مطلقاً ومن غير شرط وقيد ، ولذلك سمّاه الله تعالى صراطاً مستقيماً ، أي لا يتخلّف حكمه في هدايته وإيصاله سالكيه إلى غايته ومقصدهم . أمّا السبل فإنّه يمكن أن يجامع كلّ واحد منها شيء من النقص والامتياز ، كما قال تعالى : ( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) [1] ، إذ بيّن أنّ شيئاً من الشرك قد يجتمع مع الإيمان وهو مع ذلك سبيل من السبل . وبذلك يتبيّن أمور : أحدها : أنّ الطرق إلى الله مختلفة كمالاً ونقصاً وغلاءً ورخصاً ، في جهة قربها من منبع الحقيقة والصراط المستقيم كالإسلام والإيمان والعبادة والإخلاص والإخبات ، كما أنّ مقابلاتها من الكفر والشرك والجحود والطغيان والمعصية كذلك ؛ قال سبحانه : ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) [2] . وهذا نظير المعارف الإلهية التي تتلقّاها العقول من الله فإنّها مختلفة باختلاف الاستعدادات ومتلّونة بألوان القابليات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى : ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) [3] .