لهذه الدرجة من الإسلام فسرّت الأمّة المسلمة التي طلبها إبراهيم عليه السلام بالنبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام . فإنّ هذه الدرجة الشامخة من الانقياد هي التي تنسجم مع قول أمير المؤمنين عليه السلام : « ما عبدتك خوفاً من نار ولا طمعاً في جنّة . . . » إذ لو كانت المصالح هي الأساس لجعْل العبادات لما كان هناك معنى لعبادة عليّ عليه السلام ! في هذا السياق يقرّر السيّد الطباطبائي قدّس سرّه : « إذا تتبّعنا الكتاب والسنّة ، وتأمّلنا فيهما تأمّلاً وافياً ، وجدنا أنّ المدار في الثواب والعقاب هو الإطاعة والانقياد والتمرّد والعناد ، فمن المسلّم المحصّل منهما أنّ المعاصي حتّى الكبائر الموبقة لا توجب عقاباً إذا صدرت ممّن لا يشعر بها ، أو من يجري مجراه ، وأنّ الطاعات لا توجب ثواباً إذا صدرت من غير تقرّب وانقياد . . . وكذلك صدور المعصية ممّن لا يشعر بكونها معصية ، إذ قصد الإطاعة لا يخلو من حسن ، وصدور الطاعة بقصد العناد واللعب لا يخلو من قبح ، وكذلك مراتب الطاعة والمعصية تختلف حسب اختلاف الانقياد والتمرّد اللذين تشتمل عليهما » [1] . 3 . ما هو الطريق لتحقيق الانقياد والعبودية التامّة ؟ بعد أن ثبت أنّ الله سبحانه وتعالى أخبر أنّ كمال الإنسان الحقيقي لا يتحقّق إلاّ بالوصول إلى القرب الإلهي ، وهذا الأخير لا يتحقّق إلاّ من خلال العبودية والانقياد التامّ ، ينبثق السؤال عن الوسيلة التي تحقّق العبودية المذكورة .
[1] رسالة الولاية ، العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي ، منشورات قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، قم : ص 34 .