الثانية : أنّه أخصّ من المدّعى ؛ فإنّ البحث معقود لإثبات حجّية الأحكام الظاهرية مطلقاً ، لا الأحكام الظاهرية التي يعتبرها العقلاء علماً فقط كالظواهر وخبر الثقة ، إذ ثمّة أحكام ظاهرية لا تفيد العلم العقلائي ولا كاشفية فيها أساساً كما هو حال الأصول العملية ، مع أنّ البيان الذي أفاده المحقّق النائيني مختصّ بالأمارات التي تكون إصابتها للواقع أكثر أو مساوية لإصابة العلم الوجداني له . 4 . نظرية المصلحة السلوكية هذا الاتجاه ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدّس سرّه في الرسائل ونقّحه المحقّق النائيني في أبحاثه الأصولية ، وقد اصطلح عليه في كلماتهم ب « نظرية المصلحة السلوكية » . ويستند هذا الاتّجاه في رفع التنافي بين الحكمين الواقعيّ والظاهريّ إلى أنّ المحذور الملاكي في المقام إنّما يلزم مع القول بطريقية الأحكام الظاهرية ، أمّا لو قلنا بأنّها أحكام سببية فلا يرد المحذور . قال الشيخ الأنصاري : « إنّ التعبّد بالخبر يجب العمل به لأجل أنّه يحدث فيه بسبب قيام تلك الأمارة مصلحة راجحة على المصلحة الواقعية التي تفوت عند مخالفة تلك الأمارة للواقع ، كأن يحدث في صلاة الجمعة - بسبب إخبار العادل بوجوبها - مصلحة راجحة على المفسدة في فعلها على تقدير حرمتها واقعاً » [1] . وحيث إنّ الاتّجاه المذكور يرتكز أساساً على نكتة السببية فقد اتّجهت كلمات الأعلام إلى بيان المراد من السببية المذكورة في المقام .