مناقشته : يمكن التعليق على هذا الاتّجاه بملاحظتين : الأولى : أنّه لا يدفع المحذور الملاكي بلحاظ نقض الغرض في الجعل ، وذلك لعلم المولى المشرّع بعدم وصول أغلب المكلّفين إلى أحكامه الواقعية ، فَلِمَ جعل حكمه الواقعيّ شاملاً للعالم والجاهل ثمّ جعل حكماً ظاهرياً على خلافه ؟ الثانية : أنّه لا بدّ أن نبيّن المقصود من أنّ مبنى الشريعة غير قائم على الاحتياط التامّ . فتارةً يراد به تعذّر الاحتياط التامّ على المكلّفين فيكون تكليفاً بغير المقدور . وجوابه : إنّ تعذّر الاحتياط التامّ لا يفضي إلى القول بحجّية الأمارة بل نتيجته التنزّل عن المقدار غير المقدور من الاحتياط فقط ، وعليه لا يكون عدم القدرة عليه كافياً لإثبات التعبّد بالأمارات . وأُخرى يراد به أنّ مبنى الشريعة هو التسهيل والتسامح . وهذا حسن بنفسه وذو مصلحة ، فيحصل التزاحم بين مصالح الواقع في المتعلّقات وبين مصلحة التسهيل والتسامح التي تقوم عليها الشريعة ، فتقدّم المصلحة الثانية . لكنّا نسأل : هل المصلحة الحاصلة من التسهيل المذكور تستطيع تدارك مصلحة الواقع الفائتة ؟ فإن قلنا بالتدارك ، يكون رجوعاً إلى نظرية المصلحة السلوكية التي قال بها الشيخ الأنصاري قدّس سرّه وسيأتي بحثها مفصّلاً ، وأمّا مع عدم التدارك فيعود الإشكال من رأس ؛ للزوم نقض الغرض وتفويت المصلحة . 3 . مجاراة الشرع للعرف والعقلاء يمثّل هذا الاتّجاه الذي ذكره النائيني أيضاً ترقّياً عمّا أفاده قدس سره في الاتّجاه السابق ، وحاصله : إنّ جعل الحجّية للأحكام الظاهرية ليس