وحينئذ ، إذا فحص المكلف وتمت له إقامة الحجة على جميع الموارد المحتملة كلها ، فذاك هو كل المطلوب وهو أقصى ما يرمي إليه المجتهد الباحث ويطلب منه . ولكن هذا فرض لم يتفق حصوله لواحد من المجتهدين ، بأن تحصل له الأدلة على الأحكام الإلزامية كلها ، لعدم توفر الأدلة على الجميع . وأما إذا فحص ولم تتم له إقامة الحجة إلا على جملة من الموارد وبقيت لديه موارد أخرى يحتمل فيها ثبوت التكليف ويتعذر فيها إقامة الحجة - لأي سبب كان ( 1 ) - فإن المكلف يقع لا محالة في حالة من الشك تجعله في حيرة من أمر تكليفه . فماذا تراه صانعا ؟ هل هناك حكم عقلي يركن إليه ويطمئن بالرجوع إلى مقتضاه ؟ أو أن الشارع قد راعى هذه الحالة للمكلف لعلمه بوقوعه فيها ، فجعل له وظائف عملية يرجع إليها عند الحاجة ويعمل بها لتطمينه من الوقوع في العقاب ؟ هذه أسئلة يجب الجواب عنها . وهذا " المقصد الرابع " وضع للجواب عنها ، ليحصل للمكلف اليقين بوظيفته التي يجب عليه أن يعمل بها عند الشك والحيرة . وهذه الوظيفة أو الوظائف هي التي تسمى عند الأصوليين ب " الأصل العملي " أو " القاعدة الأصولية " أو " الدليل الفقاهتي " .
( 1 ) إن تعذر إقامة الحجة قد يحصل من جهة فقدان الدليل ، وقد يحصل من جهة إجماله ، وقد يحصل من جهة تعارض الدليلين وتعادلهما من دون مرجح لأحدهما على الآخر .