الشئ حسنا أن يتعلق به الأمر ، وفي كونه قبيحا ان يتعلق به النهي ، والأمر والنهي - حسب الفرض - ثابتان وجدانا . ولا حاجة إلى فرض ثبوت مدح وذم من الشارع . وهذا الكلام - في الحقيقة - يرجع إلى أصل النزاع في معنى الحسن والقبح ، فيكون الدليل وجوابه صرف دعوى ومصادرة على المطلوب ، لأن المستدل يرجع قوله إلى أنه يجب المدح والذم عقلا ، لأ نهما واجبان في اتصاف الشئ بالحسن والقبح . والمجيب يرجع قوله إلى أنهما لا يجبان عقلا لأ نهما غير واجبين في الحسن والقبح . والأحسن تصوير الدليل على وجه آخر ، فنقول : إنه من المسلم عند الطرفين وجوب طاعة الأوامر والنواهي الشرعية ، وكذلك وجوب المعرفة . وهذا الوجوب عند الأشاعرة وجوب شرعي حسب دعواهم ، فنقول لهم : من أين يثبت هذا الوجوب ؟ لابد أن يثبت بأمر من الشارع . فننقل الكلام إلى هذا الأمر ، فنقول لهم : من أين تجب طاعة هذا الأمر ؟ فإن كان هذا الوجوب عقليا فهو المطلوب ، وإن كان شرعيا أيضا فلابد له من أمر ولابد له من طاعة فننقل الكلام إليه . . . وهكذا نمضي إلى غير النهاية ، ولا نقف حتى ننتهي إلى طاعة وجوبها عقلي لا تتوقف على أمر الشارع ، وهو المطلوب . بل ثبوت الشرائع من أصلها يتوقف على التحسين والتقبيح العقليين ، ولو كان ثبوتها من طريق شرعي لاستحال ثبوتها ، لأ نا ننقل الكلام إلى هذا الطريق الشرعي فيتسلسل إلى غير النهاية . والنتيجة : أن ثبوت الحسن والقبح شرعا يتوقف على ثبوتهما عقلا .