وأجيب عنه بأن الحسن والقبح في ذلك بمعنى الملاءمة والمنافرة أو بمعنى صفة الكمال والنقص ، وهو مسلم لا نزاع فيه . وأما بالمعنى المتنازع فيه فإنا لا نسلم جزم العقلاء به . ونحن نقول : إن من يدعي ضرورة حكم العقلاء بحسن الإحسان وقبح الظلم يدعي ضرورة مدحهم لفاعل الإحسان وذمهم لفاعل الظلم . ولا شك في أن هذا المدح والذم من العقلاء ضروريان ، لتواتره عن جميع الناس ، ومنكره مكابر . والذي يدفع العقلاء لهذا - كما قدمنا - شعورهم بأن العدل كمال للعادل وملأمته لمصلحة النوع الإنساني وبقائه ، وشعورهم بنقص الظلم ومنافرته لمصلحة النوع الإنساني وبقائه . 4 - واستدل العدلية أيضا بأن الحسن والقبح لو كانا لا يثبتان إلا من طريق الشرع ، فهما لا يثبتان أصلا حتى من طريق الشرع . وقد صور بعضهم هذه الملازمة على النحو الآتي : إن الشارع إذا أمر بشئ فلا يكون حسنا إلا إذا مدح مع ذلك الفاعل عليه ، وإذا نهى عن شئ فلا يكون قبيحا إلا إذا ذم الفاعل عليه ، ومن أين تعرف أنه يجب أن يمدح الشارع فاعل المأمور به ويذم فاعل المنهي عنه ؟ إلا إذا كان ذلك واجبا عقلا ، فتوقف حسن المأمور به وقبح المنهي عنه على حكم العقل ، وهو المطلوب . ثم لو ثبت أن الشارع مدح فاعل المأمور به وذم فاعل المنهي عنه والمفروض أن مدح الشارع ثوابه وذمه عقابه ، فمن أين نعرف أنه صادق في مدحه وذمه إلا إذا ثبت أن الكذب قبيح عقلا يستحيل عليه ، فيتوقف ثبوت الحسن والقبح شرعا على ثبوتهما عقلا ، فلو لم يكن لهما ثبوت عقلا فلا ثبوت لهما شرعا . وقد أجاب بعض الأشاعرة عن هذا التصوير بأنه يكفي في كون