نعم ، بعض العادات قد تكون موضوعا لحكم الشارع ، مثل حكمه بحرمة لباس الشهرة ( 1 ) أي اللباس غير المعتاد لبسه عند الناس . ولكن هذا الحكم لا لأجل المتابعة لحكم الناس ، بل لأن مخالفة الناس في زيهم على وجه يثير فيهم السخرية والاشمئزاز فيه مفسدة موجبة لحرمة هذا اللباس شرعا . وهذا شئ آخر غير ما نحن فيه . فتحصل من جميع ما ذكرنا - وقد أطلنا الكلام لغرض كشف الموضوع كشفا تاما - أنه ليس كل حسن وقبح بالمعنى الثالث موضعا للنزاع مع الأشاعرة ، بل خصوص ما كان سببه إدراك كمال الشئ أو نقصه على نحو كلي وما كان سببه إدراك ملائمته أو عدمها على نحو كلي أيضا من جهة مصلحة نوعية أو مفسدة نوعية ، فإن الأحكام العقلية الناشئة من هذه الأسباب هي أحكام للعقلاء بما هم عقلاء ، وهي التي ندعي فيها أن الشارع لابد أن يتابعهم في حكمهم . وبهذا تعرف ما وقع من الخلط في كلام جملة من الباحثين عن هذا الموضوع . 5 - معنى الحسن والقبح الذاتيين إن الحسن والقبح بالمعنى الثالث ينقسمان إلى ثلاثة أقسام : 1 - ما هو " علة " للحسن والقبح . ويسمى الحسن والقبح فيه ب " الذاتيين " مثل العدل والظلم والعلم والجهل ، فإن العدل بما هو عدل لا يكون إلا حسنا أبدا ، أي أنه متى ما صدق عنوان " العدل " فإنه لابد أن يمدح عليه فاعله عند العقلاء ويعد عندهم محسنا . وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون إلا قبيحا ، أي أنه متى ما صدق عنوان " الظلم " فإن فاعله مذموم عندهم ويعد مسيئا . 2 - ما هو " مقتض " لهما ، ويسمى الحسن والقبح فيه ب " العرضيين "