بمنزلة المشير الناصح ، والعقل العملي بمنزلة المنفذ لإشاراته " . وهذا منه خروج عن الاصطلاح . وما ندري ما يقصد من " العقل العملي " إذا كان الإرشاد والنصح للعقل النظري ؟ وليس هناك عقلان في الحقيقة كما قدمنا ، بل هو عقل واحد ، ولكن الاختلاف في مدركاته ومتعلقاته ، وللتمييز بين الموارد يسمى تارة عمليا واخرى نظريا . وكأ أنه يريد من العقل العملي نفس التصميم والإرادة للعمل . وتسمية الإرادة عقلا وضع جديد في اللغة . 4 - أسباب حكم العقل العملي بالحسن والقبح إن الإنسان إذ يدرك أن الشئ ينبغي فعله فيمدح فاعله ، أو لا ينبغي فعله فيذم فاعله ، لا يحصل له هذا الإدراك جزافا واعتباطا - وهذا شأن كل ممكن حادث - بل لابد له من سبب . وسببه بالاستقراء أحد أمور خمسة نذكرها هنا ، لنذكر ما يدخل منها في محل النزاع في مسألة التحسين والتقبيح العقليين ، فنقول : الأول : أن يدرك أن هذا الشئ كمال للنفس أو نقص لها ، فإن إدراك العقل لكماله أو نقصه يدفعه للحكم بحسن فعله أو قبحه - كما تقدم قريبا - تحصيلا لذلك الكمال أو دفعا لذلك النقص . الثاني : أن يدرك ملائمة الشئ للنفس أو عدمها إما بنفسه أو لما فيه من نفع عام أو خاص ، فيدرك حسن فعله أو قبحه تحصيلا للمصلحة أو دفعا للمفسدة . وكل من هذين الإدراكين - أعني إدراك الكمال أو النقص ، وإدراك الملائمة أو عدمها - يكون على نحوين : 1 - أن يكون الإدراك لواقعة جزئية خاصة ، فيكون حكم الإنسان بالحسن والقبح بدافع المصلحة الشخصية . وهذا الإدراك لا يكون بقوة