الكلام مجملا ، ولا قرينة في نفس اللفظ تعين واحدا منها ، فإن نفي الصحة ليس بأولى من نفي الكمال أو الفضيلة ، ولا نفي الكمال بأولى من نفي الفائدة . . . وهكذا . وأجاب بعضهم : بأن هذا إنما يتم إذا كانت ألفاظ العبادات والمعاملات موضوعة للأعم فلا يمكن فيها نفي الحقيقة . وأما إذا قلنا بالوضع للصحيح فلا يتعذر نفي الحقيقة ، بل هو المتعين على الأكثر ، فلا إجمال . وأما في غير الألفاظ الشرعية مثل قولهم " لاعلم إلا بعمل " فمع عدم القرينة يكون اللفظ مجملا ، إذ يتعذر نفي الحقيقة ( 1 ) . أقول : والصحيح في توجيه البحث أن يقال : إن " لا " في هذه المركبات لنفي الجنس ، فهي تحتاج إلى اسم وخبر على حسب ما تقتضيه القواعد النحوية . ولكن الخبر محذوف حتى في مثل " لا غيبة لفاسق " فإن " الفاسق " ظرف مستقر متعلق بالخبر المحذوف . وهذا الخبر المحذوف لابد له من قرينة ، سواء كان كلمة " موجود " أو " صحيح " أو " مفيد " أو " كامل " أو " نافع " أو نحوها . وليس هو مجازا في واحد من هذه الأمور التي يصح تقديرها . والقصد أنه سواء كان المراد نفي الحقيقة أو نفي الصحة ونحوها ، فإنه لابد من تقدير خبر محذوف بقرينة ، وإنما يكون مجملا إذا تجرد عن القرينة . ولكن الظاهر أن القرينة حاصلة على الأكثر وهي القرينة العامة في مثله ، فإن الظاهر من نفي الجنس أن المحذوف فيه هو لفظ " موجود " وما بمعناه من نحو لفظ " ثابت " و " متحقق " . فإذا تعذر تقدير هذا اللفظ العام لأي سبب كان ، فإن هناك قرينة موجودة غالبا ، وهي : " مناسبة الحكم والموضوع " فإنها تقتضي غالبا