وكذلك إطلاق الجمل وما شابهها - أيضا - ليس بالوضع بل بمقدمات الحكمة . وهذا لا خلاف فيه . وإنما الذي وقع فيه البحث هو أن الإطلاق في أسماء الأجناس وما شابهها هل هو بالوضع أو بمقدمات الحكمة ؟ أي أن أسماء الأجناس هل هي موضوعة لمعانيها بما هي شايعة ومرسلة على وجه يكون الإرسال - أي الإطلاق - مأخوذا في المعنى الموضوع له اللفظ - كما نسب إلى المشهور من القدماء ( 1 ) قبل سلطان العلماء - أو أنها موضوعة لنفس المعاني بما هي والإطلاق يستفاد من دال آخر ، وهو نفس تجرد اللفظ من القيد إذا كانت مقدمات الحكمة متوفرة فيه ؟ وهذا القول الثاني أول من صرح به فيما نعلم سلطان العلماء في حاشيته على معالم الأصول ( 2 ) وتبعه جميع من تأخر عنه إلى يومنا هذا . وعلى القول الأول يكون استعمال اللفظ في المقيد مجازا ، وعلى القول الثاني يكون حقيقة . والحق ما ذهب إليه سلطان العلماء ، بل قيل : إن نسبة القول الأول إلى المشهور مشكوك فيها ( 3 ) . ولتوضيح هذا القول وتحقيقه ينبغي بيان أمور ثلاثة تنفع في هذا الباب وفي غير هذا الباب ( 4 ) وبها تكشف للطالب ما وقع
( 1 ) لم نظفر بمن نسبه إليهم صريحا ، والنسبة مشكوك فيها ، كما يأتي . ( 2 ) لم نجد التصريح به في كلامه ، راجع الحاشية : ص 48 ذيل قول صاحب المعالم : " فلأنه جمع بين الدليلين . . . " . ( 3 ) قاله المحقق الخراساني بلفظ " إلا أن الكلام في صدق النسبة " راجع كفاية الأصول : ص 286 . ( 4 ) وقد اضطررنا إلى الخروج عن الطريقة التي رسمناها لأنفسنا في هذا الكتاب في الاختصار . ونعتقد أن الطالب المبتدئ الذي ينتهي إلى هنا يكون على استعداد كاف لفهم هذه الأبحاث . واضطرارنا لهذا البحث باعتبار ما له من حاجة ماسة في فهم الطالب لكثير من الأبحاث التي قد ترد عليه فيما يأتي .