وقد ادعوا أن كل آية ورد فيها بيان
نقلي, بدلالة ما رواه الترمذي (ت279هـ) عن قتادة (ت117هـ) أنه قال: «ما في القرآن
آية إلا وقد سمعت فيها شيئاً»([185]),
وذلك يستلزم الالتزام بهذا المنقول.
وواجه
ذلك تياراً مضاداً بوصف التأويل هو التدبر واتباع طريق العقل في استجلاء المراد,
وأن العقل لا يكذب ما ورد به الشرع، إذ كيف يمكن أن يرد الشرع بما لا يفهمه العقل،
وهو دليل الشرع الذي يحكم بأنه حق، وعلى ذلك يمكن صرف الآية التي تخالف ظاهر حكم
العقل إلى معنى من طريق الاستنباط تحتمله الآية موافقٍ لما قبلها وما بعدها، على
أن يكون غير مخالف للكتاب والسنة, فذلك غير محظور على العلماء بالتفسير, فقيل أن
التأويل واجب في بعض الموارد, حتى بالغوا بأن بعض الآيات يحتمل كلٌ منها مائة قول([186]), «فهذا
وأمثاله ليس محظوراً على العلماء استخراجه، بل معرفته واجبة»([187]), كما أيدوا
قولهم بأن القرآن يحتمل وجوهاً يمكن تثويرها, وعضدوا ذلك بأدلة نقلية وعقلية,
فمنها ما روي عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال:
«القرآن ذلول ذو
وجوه محتملة، فاحملوه على أحسن وجوهه»([188]).
قال الزركشي (ت794هـ): (وقوله
ذلول يحتمل وجهين:
أحدهما أنه مطيع لحامليه، ينطق
بألسنتهم.
الثاني أنه موضح لمعانيه حتى لا تقصر
عنه أفهام المجتهدين.
وقوله: ذو وجوه يحتمل
معنيين:
أحدهما: أن من ألفاظه ما يحتمل وجوهاً
من التأويل.
والثاني أنه قد جمع وجوها من الأوامر
والنواهي، والترغيب والترهيب، والتحليل والتحريم.