نام کتاب : الأسس المنهجية في تفسير النص القرآني نویسنده : عدي جواد علي الحجار جلد : 1 صفحه : 209
فهما ركنا البلاغة التي وصفت «عند أهل اللسان: لمحة دالة وإشارة مقنعة»([895])،
تشبيهاً بإشارة المتكلم إلى معانٍ كثيرة, باللفظ البليغ المختصر الذي يحمل معاني
كثيرة, وذلك لقلة الكلام واختصاره بإشارة اليد، فإن المشير بيده يشير إلى أشياء لو
عبر عنها بلفظ لاحتاج إلى ألفاظ كثيرة.
هذا مع مراعاة أن الإشارة المقصودة
في وصفهم يعدّ فيها صحة الدلالة وحسن البيان مع الاختصار، لأن المشير بيده إن لم
يفهم المشار إليه معنى الإشارة بأسهل ما يكون، فإشارته معدودة من العبث, وحينئذ
خارجة عن الوصف([896]).
وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون
الكلام مختصراً ليسمى بليغاً, فقد يقتضي الحال إطالة الكلام, إذ «البلاغة مطابقة
الكلام لمقتضى الحال ورعاية وضوح الدلالة»([897]),
فهي الاقتضاب عند البداهة، والغزارة عند الحاجة إلى الإطالة, فالبليغ الذي يبلغ
القصد بأقرب طرق الإفهام مع حسن الغرض، وليس أقرب طرق الإفهام تقليل الحروف
واختصار الكلام, مع أنه قد يكون كذلك، ولكن أقرب الطرق في الإفهام أن تكون الغاية
مثالاً للعقل، ثم يكون المعنى مسوقاً إليها، واللفظ منسوقاً عليها، فهم السامع أو
قصر([898]).
«فوضع الألفاظ في موضعها المناسب من البيان بحسب مقتضيات الخطاب هو البلاغة, سواء
أكان في تلك الألفاظ تطويل ليعود الكلام مطنباً, أم تقليل ليكون الكلام موجزاً»([899]),
فكما يلزم البليغ في مظان الإجمال أن يجمل ويوجز, فكذلك يلزمه في موارد التفصيل أن
يفصّل ويطنب([900]).
وعلى هذا وبما أن بلاغة القرآن فاقت
حد بلاغة البشر, يلزم المفسر أن ينظر إلى آياته نظرة البليغ الذي قد أحاط بمذاهب
العربية وغرائب الصنعة, ليقف على دلالة كل دقيقة من دقائق البلاغة من معرفة ما
ينطوي عليه الخبر والإنشاء والتقديم والتأخير والفصل والوصل والحقيقة والمجاز