وهذا التنوع في الفهم نتج عما للصيغة
من دلالة مختلف فيها لدى أئمة اللغة, حتى نقل بعض المفسرين ما رواه النضر بن
شميل(ت203هـ) عن الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت170هـ) قوله: «سئل الخليل عن قوله
رب ارجعون ففكر ثم قال: سألتموني عن شيء لا أحسنه ولا أعرف معناه,
والله أعلم»([490]),
فأخذ المفسرون يتنظّرون في إيجاد معنى مناسب لتفسير هذه الآية كلّ بحسب ما أوتي من
معرفة باللغة وظواهرها وما تؤديه من معانٍ, قال السيوطي (ت911هـ): «ومثال إطلاق
الجمع على المفرد قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ([491]), أي أرجعني... وفيه نظر»([492]),
وذلك من وقوع الاحتمال الذي ينتج الترديد في المراد, مما دعا بعض المفسرين إلى ذكر
الوجوه من دون ترجيح إذ كل وجه قد يورد عليه إيراد معين, فالنتيجة أن هذه التأملات
والتنظرات أفرزت عطاءً كمياً ونوعياً مما يفصح عن ثراء النص القرآني, إذ أن هذه
الفهوم تدور في فلك خدمة الدين والقرآن العظيم.
ومثل
هذا الاختلاف والتنوع في استعمال صيغة الجمع لمخاطبة المفرد جاء في استعمال المفرد
وإرادة الجمع كما في قوله تعالى: يَتَفَيَّؤا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ([493]), فأراد باليمين الأيمان، ويفهم ذلك من
تقابل في المعنى([494]), و استعمال المفرد
وإرادة المثنى كقوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ([495]), «ومعناه أن يرضوهما»([496]), واختلفوا في
تقديره([497]), وفي إطلاق
المثنى وإرادة المفرد كما في قوله تعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ([498]), والخطاب لمالك خازن النار([499]),