ولا اقصد بالسلطة هنا السلطة الأموية والعباسية والسلطات التي أتت من بعدهما إلى اليوم، بل اقصد بالسلطة سلطة الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، لان الطامة قد بدأت من هناك، وان خطة التجاهل والإغماض والإقصاء في تلك الأيام قد أسست، ومن ثم استمرت وأصبحت عبر السنين أمرا مسلما ومستساغا لا يرتاب فيه.

والأعجب من ذلك كله هو قلة حياء وإنصاف من محدثي أهل السنة عند اعتذارهم عن سبب قلة مرويات أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في كتبهم ومدوناتهم وتصانيفهم، فحينما سئل مالك بن أنس صاحب كتاب (الموطأ) الذي يعد من أقدم مصادر التدوين الروائي في هذا العصر، عن سبب قلة مرويات الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وقلة مرويات ابن عباس في كتابه الموطأ فانه يجيب كما نقله الزرقاني في (شرح الزرقاني على الموطأ) بقوله: (لم يكونا ببلدي ولم ألق رجالهما)([1107])، ويجدر الإشارة إلى أن المرويات التي نقلها مالك بن أنس في الموطأ عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم تتجاوز الثلاث عشرة رواية أو قريباً من ذلك، كذلك يجدر الإشارة إلى أن مالكاً من أهل المدينة لم يرحل إلى غيرها لطلب الحديث فكتب أكثر روايات الموطأ عن رواة أهل المدينة ومحدثيهم فقط.

ولا يخفى على المتتبع المنصف ضعف ما قاله مالك بن أنس وما اعتذر به وعدم إنصافه، فقوله إنّ عليا لم يكن ببلدي محض كذب، لان الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أقام في المدينة المنورة قرابة ست وثلاثين سنة، ولم يرحل عنها إلا أربع سنوات تقريبا هي مدة بقائه في الكوفة، فهل يعقل أن يضيع مالك بن انس مدة أربع وثلاثين سنة من مدة بقاء الإمام صلوات الله وسلامه عليه مع ما فيها من كثير حديث وفقه وتفسير لأجل أربع سنوات ابتعد فيها الإمام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه عن أرضه وموطنه، إن هذا لشيء عجيب!.

ثم إذا ابتعد الإمام عن موطنه، فان أصحابه والراوين عنه كانوا

[1107] شرح الزرقاني على الموطأ، ج1 ص13 طبعة دار الكتب العلمية.