أقول: لماذا يا ترى خالف عمر بن الخطاب رأي الصحابة الذين أجمعوا في مشورتهم على تدوين السنة وكتابتها؟، ولماذا استشارهم أصلا إذا لم يكن عازما على سماع مشورتهم؟، ولماذا بقي يستخير الله شهرا كاملا؟، وهل هذا الأمر يحتاج إلى كل هذه الحيرة؟ وهل يشك مسلم عاقل بأهمية أن يصان كلام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ويحفظ لتستفيد منه الأجيال؟، وكيف غاب عن باله الأحاديث التي رويت في صحاح أهل السنة من أن الأمة لا تجمع على خطأ أو باطل، وأن الصحابة جميعهم كالنجوم بأيهم اقتدى الإنسان اهتدى، فكيف إذا اجتمعوا كلهم على رأي واحد، فمن هذين الحديثين([41]) وغيرهما يصبح معلوما للجميع صواب ما أجمع عليه الصحابة المشيرون بضرورة كتابة السنة النبوية، وأن مخالفتهم قد جرت على الأمة ويلات لا يحصي مضارها سوى الله سبحانه وتعالى.

ثم أي حجة ضعيفة هذه التي اتخذها عمر بن الخطاب لمنع التدوين؟، وهل يصح أن يتخذ فعل بني إسرائيل لعنهم الله ذريعة لتضييع التراث النبوي؟، وهل يكفي هذا الاحتمال الضعيف والنادر في محو المصدر الثاني من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم؟، فهب أن بني إسرائيل حرفوا كتبهم فإن كتاب الله محفوظ قد تكفل الله سبحانه

[40] السنة في مواجهة أعدائها ص 243،244.

[41] حديث لا تجتمع الأمة على خطأ وحديث أصحابي كالنجوم هي من الأحاديث التي عليها مؤاخذات كثيرة من وجهة نظر الشيعة الإمامية أعزهم الله لكننا أوردناها لاعتقاد أهل السنة بصحتها فحجيتها أعظم، فيكون ذكرنا لها ولأمثالها في هذا الكتاب هو من باب الإلزام وهو أمر جرت عليه العادة قديما وحديثا.