أقول: ان الذهبي لم يبين سبب عدم صحته واكتفى بقوله (والله أعلم) وهو لا يكفي كدليل علمي لتفنيد الروايات والوثائق التاريخية أوردّها، أما ابن كثير فالواضح من كلامه انه لم ينفِ أصل إحراق أبي بكر لأحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما اعترض على مقدار ما تم إحراقه، لأنه يعتقد بان السنة النبوية كانت أكثر من خمسمائة حديث، ونحن أيضا نعتقد انها كانت أكثر من ذلك بكثير، لكنها كانت متفرقة بين الصحابة، فيصبح اعتراض ابن كثير على الرواية مبنيّاً على وجه غير وجيه.

ثم وبغض النظر عن دواعي تكذيب الذهبي لهذا الحديث وأسبابه، ولو فرضنا ان اعتراض ابن كثير على الرواية مبني على القواعد العلمية ولم يكن مبنيا على قاعدة «انصر خليفتك ظالما أو مظلوما»، فان الواقع التاريخي يثبت رواية عائشة ويقوي حصول مثل هذا الاعتداء على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديثه، وإذا لم يحرقوا سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأين هي سنته؟، ولِمَ لَمْ يجمعها أبو بكر وبيده جميع أسباب جمعها، فالكتاب موجودون، والصحابة متوفرون لم يمت منهم أحد، وبيت المال فيه ما يكفي لتمويل هذا المشروع العظيم، الذي يعود بالنفع على المسلمين جميعا والى يوم القيامة، ثم هل يكفي دفاعهم بأن أبا بكر كان أحفظ الصحابة، أو كان لديه من العلم والحديث ما ليس لدى باقي الصحابة، جوابا على تماهل أبي بكر وجهاز حكمه في جمع السنة والحديث النبوي، وما قيمة ما لدى أبي بكر من العلم أو الحديث إذا لم يدون ويخرج للناس، فالاعتذار عنه بهذه الأعذار الركيكة فيه حجة عليه وعليهم لا لهم، ثم إذا كان أبو بكر كما يقول السيوطي (أحفظ الصحابة وعنده من الأحاديث ما لم يكن عند أحد منهم) فأين أحاديثه؟ ولماذا لم ترو الصحاح والمسانيد وباقي كتب الحديث عنه إلا النزر القليل من الحديث؟ ولماذا كان غيره أروى للحديث منه؟ كعائشة وأبي هريرة وابن عمر وأمثالهم، فاللوم إما أن يكون على السيوطي؛ لأنه كذب هذه الكذبة الشنعاء، أو على الرواة السنة لأنهم لم ينقلوا أحاديث أبي بكر

[37] كنز العمال للمتقي الهندي ج10 ص286.