أقول:
ويستفاد من كلام الذهبي فوائد كثيرة تكشف لنا النقاب عن حقيقة جرح أكثر القدماء
والمعاصرين وتعديلهم منها:
ألف:
نستفيد من قوله: (تكلم فيه بلا حجة) أن ليس كل جرح يوجهه نقاد الحديث يكون بحجة
فيوجد منه وهو كثير جدا جرح لا يستوجب الجرح أو قل جرح بلا سبب موجب للجرح، كما
كان يطعن يحيى بن معين في عامر بن صالح لان عامرا كان يسمع الحديث عن رجل يصغره سنا
ورجل آخر يكبره سنا وهو عيب في نظر ابن معين، قال الخطيب البغدادي عن: (...عبد
الله بن أحمد بن حنبل قال قلت لأبي إن يحيى بن معين يطعن على عامر بن صالح قال
يقول ماذا قلت رآه يسمع من حجاج قال قد رأيت أنا حجاجا يسمع من هشيم وهذا عيب يسمع
الرجل ممن هو أصغر منه وأكبر)([529]).
وكما فعل شعبة مع احد الرواة الذين ترك حديثه فلما سُئل
لماذا تركت حديثه أجابهم لأني رأيته يركض على فرس له، قال المدائني: (قيل لشعبة لم
تركت حديث فلان قال رأيته يركض على برذون([530])
فتركت حديثه)([531]).
أو كترك الحكم بن عتيبة حديث زاذان لأنه يتكلم كثيرا، فعن
أمية بن خالد عن شعبة قال: (قلت للحكم بن عتيبة لِمَ لَمْ ترو عن زاذان قال كان
كثير الكلام)([532]).
باء: ونستفيد من قول الذهبي السابق (ولكن هذه عقوبة من
الله لكلامه في ابن مندة بهوى) أن أهل الجرح والتعديل والحديث والرواية مهما علت
مرتبتهم وعظمت منزلتهم عند أهل السنة، فيمكن أن يصدر عنهم كثير من التوثيقات
والتضعيفات الناشئة عن الهوى والعصبية