وهكذا
الأمر في معنى الغناء، فإني لا أستبعد أولئك إذا سمعوا صوتاً رخيماً - وإن كان غير
متقاطع ولا متناسق النغم - حسبوه غناء، وهذا خطأ، وأولى لهم أن يسألوا أهل الفسوق
عن ألحانهم، فإنها الغناء لا غيرها.
إن من
البديهي الوجداني أن ضرب الطبل ودق الصنج ونفخ البوق على الكيفية المرسومة في
العزاء اليوم في النجف - مع أنها لم يقصد بها اللهو والطرب - هي بنفسها لا لهو بها
ولا طرب، وإنما يقصد بها انتظام الموكب، والإعلان بمسيره ووقوفه، ومشايعة صوته
لندبة أهل الموكب، فإن انتظامه يختلّ بخفاء أصوات النادبين، ولذلك تجدهم إذا
اجتمعوا للطم في دار أو مأتم لا يضربون ولا يدقّون بشيء؛ لاستغنائهم حينئذ عن كل
شيء.
وقد سمعت
من غير واحد أن الصنج المتعارف الآن قد أحدثه في العزاء العلامة المجلسي (أعلى
الله مقامه) في قرى إيران، ليسمع أهل القرى القريبة منهم، ويعلموا بإقامتهم
العزاء، وكذا في البلدان الكبار لأجل تنبيه أهل المحلات جميعاً، لأن الطبل الحربي
الذي هو المتعارف في العزاء لا شيوع له في البلدان الإيرانية.
وهذا القدر
وإن كان كافياً في إثبات الجواز، لكن نظراً إلى أهمية تحقيق الحال في استعمال
الآلات الثلاث المذكورة، فإني أرجع إلى البحث عنها بطور آخر:
الطبل
المعبّر
عنه بلسان العامة (الدمام)، وهو موضوع العناية من الكلام، أما غيره مما قد يستعمل
في بعض البلدان، كالمسمّى عندهم (نقّاره) فلا ريب في حرمته.
ذكر
العلامة في (التذكرة) والمحقق الثاني في (جامع المقاصد) أقسام الطبول، وعَدّ منها:
طبل الحرب الذي يضرب به للتهويل، وطبل القافلة الذي يضرب به للإعلام بالنزول
والارتحال، وطبل العطارين، وهو سفط لهم، وطبل اللهو، وفسّر بالكوبة، ولكن نظراً
إلى اشتراك الكوبة بين معانٍ