وهذا لا ريب في كونه أجلى من موكب لدم الصدور
باليد، في كونه مظهر الحزن والجزع، وكلّما قلنا في ذلك نقوله في هذا، ويأتي في
أدلة الموكب الأخير ما يدل على رجحان هذا بالأولوية القطيعة.
ومن
المواكب...
موكب القامات
وهو موكب
يتألّف من جماعة، لابسي الأكفان البيض، بأيديهم السيوف والقامات، قد ضربوا المقدّم
من رؤوسهم بها، وتناثرت قطرات كثيرة من الدم على تلك الأكفان، وهم يسيرون صفوفاً
متكاتفين متلازمين، كأنهم حلقات سلسلة واحدة، كل قد أخذ بيده الأخرى حجزة الآخر،
يخترقون الشوارع على هذه الهيئة، حفاة الأقدام، حسّر الرؤوس، لا يتواثبون ولا
يزعقون، غير أنهم يهزّون السيوف، مومين بها إلى رؤوسهم، ومن ذلك تحدث لهم في المشي
هيئة خاصة.
وهؤلاء.. من جهة يمثّلون للأبصار طائفة قد استسلمت
للموت، أقدمت على الحرب في نصرة سليل خير الأنبياء، ودفع الأعداء عنه، وقد سالت
دماؤها الطاهرة على وجوهها، وضمّخت بها رؤوسها، ولطّخت بها ثيابها المتّخذة
أكفاناً يوم الطف.
ومن جهة
أخرى يظهرون بمظهر موكب، قد ارتفع في مقادير الحزن عن أن يضرب صدره بيده أو بسلسلة
حديدية، بل هو يريد أن يقتل نفسه جزعاً، من جرّاء تلك الفادحة التي أصيب بها
الإسلام في قتل سبط النبي المرسل.
فهذا الموكب عزاء من جهة، وتمثيل رزّية من جهة أخرى، وكل
ما حررناه في المآتم آتٍ فيه بالأولوية، بل هو في كونه نصرة للحسين عليه السلام،
وبذلاً للنفس في سبيله، أظهر وأجلى. وقد مرّ عليك ما يدل على ذلك، من قوله عليه
السلام: (ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون