إن الدين
الصحيح يجب أن لا يكون خرافياً بأساسه، أو بأغلب أحكامه، نحو أن يكون شعبذة صرفة،
أو لهواً ولعباً، أو صرف رقي وتمائم، أو دق طبول وضرب أوتار، وغير ذلك، لأن ما
يكون من الأديان كذلك تنفر عنه النفوس، ولا تذعن له العقول.
أما إذا
كان الدين - حتى بنظر الأجنبي عنه - قويم المبادئ، متين الأساس، كافلاً لحفظ
النظام، بقوانينه الوضعية، وعبادات الروحية، غير أن فيه شعيرة مذهبية لا دينية،
يعدّها الأجنبي خرافة وفعلاً همجياً، وهو لا يعلم أسرارها، فهل يجب رفضها بمجرد
كونه يستهزئ بها؟! كلاّ، وإلا لكان الحج أول مرفوض في الشريعة، لأن غير العارف
بحِكَمه وأسراره يسخر به، بل يعده ضرباً من الجنون والتوحش، فهل يصلح للعارف أن
يمنع عنه؟! كلا، إنه كان اللازم على صاحب المقالة أن يتعرف أولاً([41])
أقسام السخرية والخرافة وأحكامها، ليلحق بكل موضوع حكمه، ولا يتورط.
ويعلم
المسلمون والأجانب جميعاً أن جميع التذكارات الحسينية ليست من المجعولات بالأصالة
في دين الإسلام، كسائر قوانينه، من صلاة وصيام وصدقة، وإلا لاشترك فيها جميع
المسلمين، ولم تختص بالشيعة.
أما عقائد
الإسلام بما هي توحيد وتنزيه لمرتبة الرب، وقوانينه الوضعية بما هي شريعة زمنية
حافظة لحقوق المربوب، ليس في شيء منها ما يوجب السخرية، بل هي حافظة للنواميس
الكلية، التي لأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، ومن ثمّة كانت غنية عن تبشير
المبشرين بها، لأنها داعية بنفسها إلى نفسها، ومبشّرة بذاتها إلى ذاتها.
وهذا أمر
بيانه خارج عن موضوع مقالتي، وإن كان مهماً جداً في نفسه، وعلى هذا فلا علينا إذا
سخر الأغيار بتمثيلنا، إن علينا أن نُعرّف الأجانب براءة دين الإسلام بذاته مما هو
أوقر منه، لا أن نتركه ونمنع عنه([42]).