وتثبت عقائدهم،
ببركة تلك الثورات الناجمة من قتل الحسين عليه السلام، ولم يمض قرن واحد من لدن
قتله حتى بِيْد بنو أمية، وأصبحت السلطة الإسلامية لفريق من بني هاشم، وهم بنو
العباس، الذين - باسم ثارات الحسين عليه السلام وولده وبني عمومته - لم يبقوا من
الأمويين في الأرض نافخ ضَرَمه([23])،
إلاّ من لا يُعرف.
من هذه
الرموز كلها تعرف معنى كون الحسين عليه السلام قتل لإحياء دين جده، وتذعن أنه لم
يطلب حقاً هو لغيره، ولم يرد أن يكون جباراً في الأرض، وإلاّ فلا موقع لإطرائه
والطلب بثأره.
ولما رسخت
أقدام العباسيين في الإمرة الإسلامية، ورأوا أن المغروس في أعماق قلوب أكثر
المسلمين هو أن الرياسة الروحانية المقدسة لعقب الحسين عليه السلام من العلويين،
خافوا على ملكهم بادرة الثوّار منهم، وأدرك أولئك أن لا قدرة لهم على الطلب بحقهم،
وقد باد بنو أمية، وتشتت أفكار العامة، أعرست الدنيا بملك بني العباس([24])،
وكان الرئيس الروحاني من أولاد الحسين عليه السلام يومئذ، والمشار إليه من
[23] نافخ ضرمه: مثل يضرب للدلالة على خلوّ الديار من أهلها،
بحيث لم يبق منهم أحد يشعل ناراً فينفخ فيها، وهي كناية عن اجتثاثهم عن جديب
الأرض.
[24] أعرست الدنيا أي زهت وأظهرت زينتها، كما تظهر العروس
لزوجها، وكما أن العروس تجاري زوجها فتخضع له، فكذلك خضعت الدنيا لبني العباس، وهي
دلالة على زهو العباسيين بملكهم.
وربما
يستعمل بمعنى دهش، كما عند ابن منظور، فيكون المعنى: أن الدنيا اندهشت بملك بني
العباس لعظمته. والأول أوفق بالمقام.