يومئذ ظهر التشيع الصلب، وامتازت شيعة علي
عليه السلام من شيعة بني أمية، ونتج من ذلك التجمهر والامتياز وقعة عين الوردة،
التي قتل بها أكثر التوابين([19])،
ووقعة نهر الخازر، التي هلك فيها من جند بني أمية سبعون ألفاً، فيهم ابن مرجانة([20]).
وبان ثمة
التشيع بأجلى مظاهره، وانقادت الناس من يومئذ إلى أهل البيت عليهم السلام باقتفاء
آثارهم، والاقتباس من علومهم، وأخذ مراسم الدين منهم، وما برح الثوّار يتتابعون،
كزيد بن علي([21])،
وولده عيسى بن زيد([22])،
وغيرهما، ويقوى أمر الشيعة، ويشتد أزرهم، وتظهر كلمتهم،
[19] حيث استشهد في عين الوردة سليمان بن صرد الخزاعي، بعد
أن قتل من القوم مقتلة عظيمة، وأبلى وحثّ وحرّض، ورماه يزيد بن الحصين بن نمير
بسهم فقتله، واستشهد من بعده المسيب بن نجبة، ثم استشهد من أهل المدائن الذين
التحقوا بالتوابين كثير بن عمرو المدني، وطعن سعد بن أبي سعد الحنفي وعبد الله بن
الخطل الطائي، وقتل عبد الله بن سعد بن نفيل، وهؤلاء قادة التوابين وفرسانهم.
ويروى بعضهم أن وقعة عين الوردة كانت سنة ست وستين، والأشهر أنها سنة سبع وستين.
راجع مروج الذهب للمسعودي ج3 ص108.
[20] وقعة نهر الخازر جاءت بعد عين الوردة وفي السنة نفسها،
قتل فيها عبيد الله بن مرجانة على يد إبراهيم بن مالك الأشتر، على اختلاف في السنة
التي حدثت فيها، فمنهم من أرخها سنة ست وستين، وآخرون على سنة سبع وستين، وكانت من
أعظم الوقعات التي مزقت جيش الأمويين، وقطعت أوصال قواهم الطائشة.
[21] ثورة زيد بن علي في أيام هشام بن عبد الملك سنة إحدى
وعشرين ومائة، وقيل: في سنة اثنين وعشرين ومائة، وكانت وقعته في الكوفة، فلما
استشهد صلب عرياناً، ثم أحرقه بعد الصلب يوسف بن عمرو والي هشام على الكوفة.
[22] الظاهر أنه يحيى بن زيد، وهو صاحب الثورة بعد ابيه، بعد
معركة كبرى أوقع بالأمويين من القتلى العدد الكبير، وصلب على باب الجوزجان، ثم بعث
برأسه إلى نصر بن سيار، ثم بعثه إلى الوليد بن يزيد.
ولم
أجد لعيسى بن زيد ذكراً في الثورات التي تلت ثورة أبيه، فقد عاش عيسى بعد ثورة
أبيه متخفياً عن عيون السلطة.
نعم
شارك عيسى بن زيد في ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن، وكان بطلاً شجاعاً معروفاً
بشدة البأس، وخرج مع إبراهيم بن عبد الله بن الحسن في قيام أبي جعفر المنصور، وخرج
مع أخيه الحسين بن زيد الملقب (ذو الدمعة).
وكان الظاهر على عيسى تقواه وتمسكه بمذهب آبائه، حيث
يروي أبو الفرج الأصفهاني بسبب مفارقته عيسى بن زيد لإبراهيم بن الحسن، قال بسند
مرفوع: صلى إبراهيم على جنازة بالبصرة وكبّر عليها أربعاً، فقال له عيسى بن زيد:
لِمَ نقصت واحدة، وقد عرفت تكبير أهل بيتك؟ فقال: هذا أجمع لهم، ونحن إلى اجتماعهم
محتاجون، وليس في تكبيرة تركتها ضرر إن شاء الله، ففارق عيسى واعتزل، وبلغ ذلك أبا
جعفر فأرسل إلى عيسى يبذل له ما سأل على أن يخذل الزيدية عن إبراهيم، فلم يتمّ
الأمر بينهما إلى أن قتل إبراهيم.
ثم
أضاف أبو الفرج الأصفهاني: وكان عيسى أفضل من بقي من أهله، ديناً وعلماً وورعاً
وزهداً وتقشفاً، وأشدهم بصيرة في أمره ومذهبه، مع علم كثير من رواية للحديث وطلب
له، وقد روى عن أبيه وجعفر بن محمد وأخيه عبد الله بن محمد وسفيان بن سعيد الثوري.
مقاتل الطالبيين للأصفهاني ص407.