بينهم،
والمطاع في الناس هو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فآثر العزلة
وكذلك أبناؤه إماماً بعد إمام، وهم في خلال ذلك يلاقون ضروب الأذى والقتل
والتنكيل، ولكنهم حفظوا ما قُتل عليه جدّهم بأمرهم شيعتهم - بدل الثورة - بالتذكّرات
الحسينية، بذكر مصائبه، فُرادى وجماعات، في جميع الأحوال، ونقل ما جرى عليه وعليهم
من الفجايع، من لدن قتله إلى أيامهم، والبكاء والإبكاء والتباكي لما أصابهم،
وبالغوا في الإطناب بذكر ثواب ذلك، إلى حد هو فوق التصوّر، لأنهم رأوا أن ذلك هو
اليد القوية في إحكام الرابطة بين أفراد الشيعة، وتميّزهم عمن سواهم من الشّيع،
كما أن الثورات الدموية أوجبت تميزهم عن شيعة بني أمية، وحفظت عقائدهم لذلك الوقت،
وعلى ذلك من الشواهد التاريخية ما تضيق عنه الرسالة.
ثم إنّهم
عليهم السلام - بمزيد لطفهم وواسع علمهم - حفظوا تلك المجتمعات، وحافظوا على
الأفراد والجماعات من الشيعة، بتشديد الأمر عليهم بالاتّقاء والتستر، حتى نفوا اسم
الدين عن غير المتّقي([25])،
وهذه
[25] وقد شددوا (صلوات الله عليهم) على التقية بما لا مجال
فيه للتردد والتأويل، حى جعلوا الدين مرهوناً بالتقية، فقد روى الكليني بسنده عن
أبي عمر الأعجمي عن أبي عبد الله عليه السلام: «قال: يا أبا عمر، إن تسعة أعشار
الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح
على الخفين». الكافي ج2 ص246، باب التقية حديث2.
وعن
أبي بصير قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: التقية من دين الله. قلت: من دين
الله؟ قال: إي والله من دين الله، ولقد قال يوسف: (أيتها العير إنكم لسارقون)،
والله ما كانوا سرقوا شيئاً، ولقد قال إبراهيم: (إني سقيم) والله ما كان سقيماً».
الكافي ج2 ص246، باب التقية حديث3.
وهذا التشدد في الحث على التقية
جاء على خلفية ما عاناه الشيعة من مطاردة السلطات وتتبّع آثارهم، والعمل على
القضاء عليهم بشتى الطرائق وأنواع الوسائل، إلا أن حكمة أهل البيت عليهم السلام
وألطافهم حفظت شيعتهم من هجمات أعدائهم، وتربصهم لهم في كل حين، حتى أنك لتجد شيعة
أهل البيت عليه السلام يملؤون أقطار المعمورة بفضل حكمة التقية التي أبقتهم بالرغم
من تآمر أهل الدنيا عليهم.
ولابد
من التنويه إلى أن أعداءهم قد عرفوا سبب حفظهم وتحصنهم بالتقية، فلم يستطيعوا
القضاء عليهم والوصول إليهم، فأخذوا بالتشهير بهم، والقول بأن تقيّتهم هذه نفاق،
علّهم يجدون سبباً في القضاء عليهم بتركهم التقية؛ لتكون لأعدائهم الحجة في
ملاحقتهم ومطاردتهم في كل الأنحاء.