فأقول: يتردد على ألسنة عموم الشيعة نحو قول: (قُتل
الحسين عليه السلام لإحياء دين جدّه)، ومرادهم بدين جده الطريقة التي هم عليها، من
الاعتقاد - مع الشهادتين والمعاد - بإمامة علي وولده إلى المهدي عليهم السلام،
وأنهم معصومون مبرّؤون عن كل ذنب وعيب، جامعون لكل فضيلة في البشر، وتفصيل إحيائه
لهذه الطريقة بتسليم نفسه للقتل عالماً عامداً تعرفه مما نذكره ثمة.
لا شك أنه ما كان المسلمون في شطر من الصدر الأول
يُنزلون أهل البيت الطاهر بالمنزلة التي تنز لهم بها الجعفرية اليوم، من كونهم
أئمة حق ومعصومين، فضلاً عن اعتقاد كون الإمامة والعصمة في عقب الحسين عليه السلام
إلى عدة خاصة من أبنائه، فإنه مما لم يذعن به إلا ممتَحَنُ القلب، اللهم إلا في
أعوام نزرة، مشوبة بفتن وحروب، كثر في خلالها عدد الشيعة، وثبتت عقائدهم، لكن لم
تكن مقتضيات الأحوال يومئذ بالغة إلى حدّ يوجب سيادة هذا الاعتقاد في العالم
الإسلامي.
ثم ما برح ذلك العدد الجمّ أن عراه النقص، ولبس ثوب
الإذلال، وكان ضئيلاً من قبل ذلك، وذلك لأجل الجنف([8])
الذي أظهره آل أبي سفيان في المِصرَين([9])
وما يتبعهما، وغيرهما من مراكز الشيعة، فقد غرسوا بغض علي عليه السلام وولده،
وسبّهم، والبراءة منهم، في أعماق قلوب العامة، بأساليب مختلفة، وتتبّعوا شيعتهم
على الظنة والتهمة، حتى كادوا أن
[8] الجَنَف: الميل والجور، جنِفَ جَنَفاً، قال لأغلب العجلي:
غير جنافي جميل الزي، لسان العرب لابن منظور باب جنف.
وجنِف
فلان علينا ــ بالكسر ــ وأجنف في حكمه، وهو شبيه بالحيف، إلا أن الحيف من الحاكم،
والجنف عام، ولم يرتض الأزهري هذا التفريق، واستدل بقول بعضهم: يُردُ من حيف
الناحل ما يرد من جنف الموصي، والناحل إذا نحل بعض ولده دون بعضٍ فقد حاف، وليس
بحاكم، ويرد عليه أن أقول بعضهم ليس بحجة، لجهالة القائل، والظاهر أن التفريق في
محله.
[9] الكوفة والبصرة وما يتبعهما، كالأهواز وبعض الكور
آنذاك، والكاتب ملتفت إلى ما فعله الأمويون بشيعة المصرين العراقيين، من تقتيل
وتهجير، ولم يتعرض إلى الحجاز والشام لقلّة ما فيهما من الشيعة، ولم تكن المصيبة
عظيمة آنذاك.