ولقد أدى
اهتمامهم بالنور وعقيدتهم به إلى تجلي الرمزية في ديانة الصابئة وتطورها إلى
الوثنية في عبادتهم للكواكب، إذ تظهر قيمة النور لدى الصابئة (كرمز سماوي بدأ مع
أول عمل قام به الخالق، وهو الفصل بين النور والظلام، والتصادم بين النور والظلام،
يأخذ شكل معركة دائمة، وكأنّه تصادم بين الخير والشرّ، بين الحياة والموت.
وهذه
الفكرة لم تبلغ النموّ، مع الثنائية الفارسية الزرادشتية، بقدر ما بلغته في الكتاب
المقدس، فالنور في الكتاب المقدس، كسائر المخلوقات، لا وجود له إلاّ من الله؛ سواء
أكان نور النهار، أم نور الكواكب التي تضيء الأرض نهاراً وليلاً.
ونحن لا
يمكننا تجاوز الأسطورة باستبعاد فكرتها، إلاّ إلى الرمز، إلى المعانى الرمزية لكل
من النور والظلمة، وكثيرا ما استعمل الأنبياء رمزية النور والظلمات في العهد
القديم.
ومع إطلالة المسيحية، تحقّق الوعد، وتمّت النبوءات، فكان
السيد المسيح (نور العالم)، و(النور الذي يجب أن يضيء الأمم)... وهو ملك المجد،
و(رب الصبأوت)، ومعناها بالعبرانية: الجمال والمجد.
فهل يكون (الصابئة) أبناء (الصبأوت)، أي أبناء المجد،
لأنّهم تطلّعوا إلى الكواكب والنجوم وما فيها من نور مضيء، في حين ارتبط غيرهم
بالمعبودات الأرضية المادّية؟
إنّهم يؤمنون بالنور، بالجوهر، بالروحانيّات، ومن هذه
الروحانيّات مدبّرات الكواكب السبع السيّارة، فالكواكب عندهم هياكل الروحانيّات،
لكلّ روحانيّ هيكل، ولكلّ هيكل فلك، ونسبة الروحانيّ إلى ذلك الهيكل ــ الكوكب ــ
الذي اختصّ به، كنسبة الروح إلى الجسد.
فكأني بالصّابئة، قد جعلوا من الكواكب والنجوم معبودات
تتوسّط لهم عند الله، ربّ الأرباب، كما يوسّط المؤمن بالله شفيعاً أو قدّيساً لدى
خالقه.
واهتمامهم
بالسيّارات السبع، ومنازلها، ومطالعها، ومغاربها، وأشكالها، وحركاتها... انعكس
إيجاباً على علم الفلك وتقدّمه، ومع تعظيمهم للكواكب السبع: (الشمس، والقمر،
والزهرة، والمشتري، والمرّيخ،