التحالف الزبيدي سنياً مع أن
مزارعيه العشائريين كانوا شيعة في أكثريتهم. وفي بغداد - أيضاً - حيث تمتعت
الطائفتان بالمساواة العددية تقريباً، كانت العائلات المسيطرة اجتماعياً سنّية مع
بعض الاستثناءات، وهنا لا بأس أن نشير إلى الجذور السياسية العميقة لهذه السيطرة
الاقتصادية والاجتماعية للسنّة، ففي ريف المنتفك مثلاً، نجمت عن سيطرة عشائر (أهل
الأبل) على عشائر الفلاحين وسكان الأهوار وأهل الغنم الشيعة، كما في المدن فقد
انبعثت هذه الظاهرة لسيطرة الدولة العثمانية السنية التي دعمت علماء وزعماء الطرق
الصوفية ووجهاء السنة بينما وقفت حائلاً أمام نمو الشيعة اقتصادياً([177]).
ومع ذلك، كانت أدوارهم محلية محدودة. على العكس من علماء
وأعيان الشيعة. ولعل من الأسباب المهمة - كما يظهر لنا - أن المواقف والنشاطات
المهمة للمسلمين الشيعة، تتحدّد بقرارات وتوجيهات مركزية مستقلة تصدر من القيادة
الإسلامية المتمثلة بالمرجع الأعلى، هذه القيادة تمتاز بطريقة خاصة في إدارتها
الاستيعابية لآلام وآمال الناس، فهي تحتضن وتوجّه عموم الفعاليات الاجتماعية
والثقافية في مؤسسات المجتمع المدني، ونشاطات التبليغ ونشر الثقافة الواعية وإقامة
الشعائر الإسلامية والمطالبة بحقوق الإنسان، بل النشاطات الحركية والسياسية العامة
في الظروف الاعتيادية، من دون أن تسمح للسلوكيات الانفعالية والأعمال الارتجالية
في الساحة الحركية، بأن تُملي عليها قراراتها، أو تفرض مواقفها. فالمرجعية الشيعية
لها طريقتها في التعاطي مع الأحداث المستجدة وتفاعلاتها في الساحة، حسب ما تراه
مناسباً من خلال وعيها المبدئي أي ضمن الإطار الإسلامي بما يخدم المصلحة الوطنية
العامة. وهذا ما سنراه جلياً في ثورة النجف عام 1917م، 1335هـ.
هذا وقد ساهمت عوامل سياسية ومذهبية واقتصادية في نمو
الروح المحلية، للعشيرة، والمدينة أو لطرف من أطراف المدينة الواحدة، إلى مستوى من
العصبية غير الطبيعية. فمثلاً: يتقدم عدد كبير من أعيان ووجهاء البصرة باحتجاج
مكتوب إلى حكومة الاتحاديين إثر تعيين أحد أبناء الموصل في منصب قضائي في البصرة
عام (1909م،1327هـ)