وهكذا أخذت تتوسع طرق التغلغل والنفوذ
البريطاني في العراق والمنطقة([148])،
وكأنما وجدت بريطانيا ضالتها في إمكانيات العراق وموقعه الجغرافي، فقد صدرت عدة
مؤلفات وتقارير عن أهمية العراق، فمثلاً، كتب (جون جاكسون) عام 1915م مقالاً عن
(قضايا هندسية في العراق وحوض الفرات)، وفي عام 1917 ظهر كرّاس بقلم (مارك سايكس)
عن (مستقبل العراق التجاري)، وأصدر (بارفيت) كتابه (العراق مفتاح المستقبل)، وكذلك
ألقيت محاضرات عديدة أثناء الحرب العالمية الأولى، حول العراق جمعت بمجلد واحد صدر
بعنوان (بلاد الرافدين المدهشة - أعجوبة العالم)([149]).
يقول محمد عدنان مراد في كتابه (بريطانيا والعرب): «منذ
بداية القرن التاسع عشر تغيرت نظرة الإنكليز للعراق إلى حد كبير، وبخاصة، بعد
ازدياد حجم التجارة البريطانية معه زيادة كبيرة إثر انفراد بريطانيا بالسيادة على
الخليج العربي»([150]).
ومما يذكر،
أنه - حينما بدأ النفوذ الألماني في النمو إثر توطيد العلاقات الألمانية -
العثمانية، عبر أبرز مظاهره، وهو إنشاء سكة حديد الحجاز، تحسّست بريطانيا وروسيا
من منافسة الألمان لمصالحهما في العراق والمنطقة، وخاصة حينما نجحت ألمانيا أن
تبعد بالتدريج إنكلترا وفرنسا عن الدولة العثمانية، وقد ظهر ذلك جلياً في الحرب
العالمية الأولى([151])،
من هنا يرى بعض المحلّلين أن السلطان عبد الحميد الثاني (1842-1918م،1258-1336هـ)،
أخذ يكره بريطانيا كراهية مقيتة حينما شعر بأنها طامعة في اقتطاع أجزاء من الدولة
العثمانية منذ قيام الأسطول الإنكليزي في البحر الأبيض المتوسط بتوجيه مدافعه على
الإسكندرية عام (1882م،1299هـ)، وكانت لهذه الكراهية أهمية كبيرة في تغيير سياسة
الدولة العثمانية اتجاه بريطانيا، وأخذت تقترب الدولة العثمانية، من ألمانيا، لعدم
وضوح أطماعها في تلك المرحلة([152]).
[148] صالح، د. زكي: مجمل
تاريخ العراق الدولي في العهد العثماني، محاضرات على طلبة قسم الدراسات التاريخية
والجغرافية، معهد الدراسات العربية العالمية، جامعة الدول العربية، القاهرة 1966م،
ص45، ومابعدها.