والطرق التي يحتمل أن تهاجم الهند منها، هي طرق تجارة
الشرق المشهورة وهي ثلاث.. الطريق الوسطى: الطريق الذاهبة إلى الخليج العربي، جنوب
العراق، وهي المعروفة بطريق الفرات، وهذه الطريق أقصر الثلاث مسافة، وأقلها كلفة
وأكثرها أمنا»([146]).
وذلك لغرض «نقل البريد من
لندن إلى الهند والعكس بالعكس عبر العراق إلى البحر الأبيض المتوسط»([147]). كمهمة من المهمات الرئيسية في تلك المرحلة،
هذا وأن وجودها في العراق يعني تعزيز سيطرتها - أيضاً - على منابع النفط في
عبادان، وسيطرتها - أيضاً - على المنطقة المائية الحيوية في الخليج، وكذلك يمكن
القول إن احتلال العراق من قبل بريطانيا يعني تقوية الربط المصيري في التحالف
البريطاني مع شيوخ وأمراء الخليج في الصراع ضد العثمانيين، علماً بأن مناطقهم صارت
مرشحة للانفصال عن الدولة العثمانية تحت شعار الاستقلال! وبذلك يتحقق حلم الدول
الاستعمارية في تفكيك الوحدة الإسلامية وهكذا فقد سعت بريطانيا ونجحت في سيطرتها
على العراق مستبعدة أقوى المنافسين لها، ألمانيا، من العراق والمنطقة، ففي الحرب
العالمية الأولى عام (1914م،1332هـ) وعلى أثر هزيمة الألمان استقر
العراقللبريطانيين.
والحقيقة
أن هذه القناعة التي ولدت لدى البريطانيين باتجاه العراق، لم تكن آنية وليدة
الساعة، بل أنها جاءت نتيجة دراسات تحليلية وتجارب تاريخية تعود إلى القرن السادس
عشر، أي منذ حصول الأوروبيين على امتيازات اقتصادية من الدولة العثمانية، ودخولهم
الولايات العثمانية ومنها العراق، أدركوا مبكراً أهمية العراق الاستراتيجية، فسعوا
لتوسيع نفوذهم - شيئاً فشيئاً - لغرض ربطه بالعجلة البريطانية ربطاً محكماً،
اقتصادياً وسياسياً. ففي أوائل القرن السابع عشر تأسست (شركة الهند الشرقية)
البريطانية، ووضعت - هذه الشركة - العراق في مركز استراتيجي على الطريق البري بين
الشرق والغرب، ثم انطلقت نحو تطوير العلاقات إلى مستوى موافقة الباب العالي على
تعيين قنصل بريطاني فيبغداد.
[146] الحسني، عبد الرزاق:
تاريخ العراق السياسي الحديث، المرجع السابق، ج1،ص34.
[147] مراد، محمد عدنان:
بريطانيا والعرب، تاريخ الاستعمار البريطاني في الوطن العربي -دار طلاس - دمشق ط1،
1989م،ص254.