الولاء
لهم. وهذا كان يوحد بدوره من زعامة العلماء على كافة شيعة العراق، ويساهم في
تكتلهم كجماعة ثقافية وسياسية متمايزة في وجه حملات السلطة، وإجراءاتها ضدهم»([104]). ومن العوامل المؤثرة في هذا الاتجاه، هو
موقف الدولة العثمانية بعدم الاعتراف بالمذهب الجعفري أسوة بالمذاهب الأربعة. بل
عدم اعتبار الشيعة في العراق كغيرهم من الطوائف الإسلامية الأخرى.. بينما يمنح
نظام (الملل) العثماني الطوائف غير الإسلامية حقا في ممارسة شعاراتهم الدينية([105]).
ففي الإطار
الإسلامي «كان الولاة في مختلف الأدوار.. يقومون
بتأسيس المدارس، ويوقفون لها الأوقاف الخيرية، مستثنين من ذلك أبناء المذهب
الجعفري، الذي يحتل اتباعه جانباً كبيراً من البلاد، مما اضطرهم لإنشاء المدارس
الخاصة بهم بعيدين عن تشجيع الولاة أو مساعدتهم المالية»([106]). وهكذا «فحكومة
السلطان العثماني التي تقود المسلمين السنة، تعتبر بالنسبة للشيعة المتشددين - في
الجوهر - [المؤمنين حقاً] حكومة مغتصبة للسلطة، وفي رأي هؤلاء لم تكن هذه الحكومة
تمتلك حتى مؤهلات تطبيق قوانين الإسلام، لذلك فقد كانوا يشعرون بالاغتراب عنها،
وكان قليل منهم يبالي بخدمتها أو الذهاب إلى مدارسها»([107]). يقول كامل الجادرجي: «كانت
الطائفة الشيعية تعدّ في زمن السلطان عبد الحميد وبالحقيقة في زمن الدولة
العثمانية أقلية تنظر إليها الدولة بعين العداء، فلم تفسخ لها مجالات التقدم في
أية ناحية من نواحي الحياة العامة، ومن الأمثلة البارزة على ذلك أنها كانت لا تقبل
لها تلميذاً في المدرسة الحربية، ولا يقبل منها فرد في وظائف الدولة إلا ما ندر
وعند الضرورة القصوى، وحتى في مدارس الدولة القليلة كانت توضع العراقيل في دخول
أبناء الطائفة فيها»([108]).
لذلك يذهب
أكثر الباحثين إلى أن سياسة التمييز الطائفي للحكّام الأتراك كانت وراء إثارة
الفتن الطائفية بين السنة والشيعة في العراق، وبالفعل «تقع
على الأتراك أنفسهم تبعة إثارة الشقاق بين الشيعة والسُّنة، فلم يكن
[105] المرجع ذاته، ص109 -
110. راجع كوثراني، د.وجيه: الاتجاهات الاجتماعية - السياسية في جبـل لبنـان
والمشـرق العـربـي (1860-1920م) معهد الإنماء العربي، بيروت 1976م، ص31-37.
[106] العلوي، حسن: الشيعة
والدولة القومية في العراق، باريس 1989م، ص50، عن: الهلالي، عبد الرزاق: تاريخ
التعليم في العراق في العهد العثماني، بغداد 1959م،ص43.
[107] بطاطو، حنا: المرجع
السابق، الكتاب الأول،ص36.
[108] العلوي، حسن: المرجع ذاته، ص51، راجع: من أوراق كامل
الجادرجي، طبع بيروت 1971م، ص68.